للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه فهو سبحانه منزَّه عنه مع قدرته عليه، ولكنه لا يفعله فضلًا منه وجودًا وكرمًا وإحسانًا إلى عباده، ويلزم من نفي الظلم إثبات ضده، وهو كمال عدله، فالله تعالى لا يظلم أحدًا، بل هو حَكَمْ عدل محسن، وحكمه وجزاؤه لعباده إما فضل لمن عمل الحسنات، فيجازي على الحسنة بعشر أمثالها، أو عدل في السيئات، فيجازي على السيئة بمثلها. قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} [طه: ١١٢]، ظلمًا: بزيادةٍ في سيئاته أو معاقبته بذنب غيره، ولا هضمًا: بنقص من حسناته.

قال ابن رجب: (وكونه خلق أفعال العباد، وفيها الظلم، لا يقتضي وصفه بالظلم -سبحانه وتعالى-، كما أنَّه لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خلقه وتدبيره، فإنه لا يوصف إلَّا بأفعاله، ولا يوصف أفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنما يوصف بما قام به من صفاته وأفعاله، والله أعلم) (١).

• الوجه الرابع: الحديث دليل على تحريم الظلم وقبحه؛ لأن الله تعالى حرمه على نفسه وحرمه على عباده، فلا يجوز لعبد أن يظلم نفسه ولا يظلم غيره، فلا يظلم نفسه بالشرك أو ما دونه من المعاصي صغائرها وكبائرها، ولا يظلم غيره في مال أو دم أو عرض، ومن الظلم أخذ مال اليتيم، أو المماطلة في أداء حقوق الناس مع القدرة على الوفاء، أو ظلم المرأة حقها من صداق أو كسوة، أو ظلم الأجير بعدم إعطائه أجرته أو المماطلة في أدائه.

قال ابن رجب: (ظلم العباد شَرٌّ مكتسب؛ لأن الحق فيه لآدمي مطبوع على الشح، فلا يترك من حقه شيئًا، لا سيما مع شدة حاجته يوم القيامة، فإن الأم تفرح يومئذ إذا كان لها حق على ولدها، لتأخذه منه. ومع هذا، فالغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أُمهل؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليملي


(١) "جامع العلوم والحكم" حديث (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>