للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: في الحديث تحذير من الغيبة وأنها من الأخلاق السيئة التي تفتح أَبوابًا من الشر، وتسبب الخصام والنفور، وتنشر العداوة والبغضاء، وتقطع أواصر المحبة بين الناس، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن حقيقتها لأجل أن تُجتنب، وهي دليل على خسة المغتاب ودناءة نفسه، وقلة ورعه، وسلاطة لسانه ..

وقد نهى الله تعالى عن الغيبة وحذر منها أبلغ تحذير في قوله سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} وهذا من أحسن القياس التمثيلي وأبلغه:

١ - لأن الغيبة تمزيق العرض، كما أن أكل اللحم تمزيقه مع الجلد، وهذا أقبح.

٢ - أن الله تعالى جعل اللحم لحم الأخ لا لحم حيوان؛ لأنه أشد كراهة.

٣ - جَعْلُ الأخ ميتًا لكونه لا يدافع عن نفسه؛ لأن المغتاب لا يعلم بالغيبة بحيث يدافع عن نفسه، ثم إن لحم ما يُستطاب أكله يصير مستقذرًا بالموت.

٤ - وصف ذلك بالكراهة مبالغة في التنفير عنه.

قال ابن كثير عند هذه الآية: (الغيبة محرمة بالإجماع) (١)، وقال القرطبي: (الإجماع على أنَّها من الكبائر، وأنه يجب التوبة منها إلى الله تعالى) (٢)، وكأن القرطبي لم يلتفت إلى قول من قال: إنها من الصغائر لندرة القائلين بهذا، وقد نقل النووي وابن حجر رحمه الله العسقلاني وابن حجر رحمه الله الهيتمي والسفاريني وآخرون (٣) الإجماع على أنَّها من الكبائر التي لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الصدقة ولا غيرها من الأعمال الصالحة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" (٤).


(١) "تفسير ابن كثير" (٧/ ٣٥٩).
(٢) "تفسير القرطبي" (١٦/ ٣٣٧).
(٣) "الإحياء" (٤/ ١٢)، "روضة الطالبين" (١١/ ٢٢٤)، "الزواجر" (٢/ ١٢ - ١٣) (غذاء الألباب" (١/ ١١٣).
(٤) متفق عليه، وقد تقدم شرحه في آخر باب "الغصب".

<<  <  ج: ص:  >  >>