للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما المسلم فلا يجوز سبه والوقوع في عرضه؛ لأن له حرمة، وهذا من باب الغيبة، إلَّا إن كان فاسقًا وظهرت مصلحة راجحة في سبه، فإنه يجوز ذكر مساوئه للتحذير منه والتنفير عنه، لا لقصد سب الميت، ولكن لقصد تنفير الأحياء عنه وتحذيرهم منه، وقد ورد ما يدل على ذلك كحديث أَنس الآتي.

وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياءً أو أمواتًا؛ لأن المصلحة في حفظ السنّة تقتضي ذلك، فإن لم يكن مصلحة وجب الكف عنه؛ لأنه أفضى إلى ما قدم.

فإن قيل: ما الجمع بين هذا الحديث وبين حديث أَنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت" ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: "وجبت" فقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ما وجبت؟ فقال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنَّة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" (١).

فالجواب: أن العلماء اختلفوا في هذا الإشكال على أجوبة عدة .. فقيل: إن حديث أَنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - محمول على ما قبل الدفن، وحديث الباب على ما بعده، وذلك ليتعظ فُسَّاق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أُمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم، وقيل: إن الذي أُثني عليه بالشر كان معلنًا به ولا غيبة له، وقيل: إن النهي متأخر فيكون ناسخًا، وضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله (٢).

• الوجه الثالث: أشار الحديث إلى الحكمة التي من أجلها نهي عن سب الأموات، وهي أنهم قد أفضوا ووصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، فلا ينفع سبهم فيهم، كما ينفع في الحي؛ لأن الحي ينزجر ويرتدع عن المعصية إذا انْتُقد فيها ويحذر الناس منه، وأما بعد موته فقد أفضى إلى ما قدم.

والحكمة الثانية: أن سب الأموات قد يفضي إلى إيذاء الأحياء من


(١) رواه البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩).
(٢) انظر: "المفهم" (٢/ ٦٥٧)، "فتح الباري" (٣/ ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>