للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طلب الأشياء أو الحكم عليها، وما أحوج المؤمن في هذا الزمان إلى الأناة عند نقل الأخبار أو الحكم على ما يسمع، فكم من أناس زلّت أقدامهم في هذا الباب نتيجة العجلة، وعدم الروية والنظر.

يقول ابن حبان: (إن العاجل لا يكاد يَلحق، كما أن الرافق لا يكاد يُسبق، والساكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإن العَجِلَ يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، وَيحْمَدُ قبل أن يُجَرِّبَ، ويَذُمُّ بعد ما يَحْمَدُ، يَعْزِمُ قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعَجِلُ تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنِّي العجلة: أم الندامات) (١).

إن العجلة تؤثر على حياة الإنسان ونشاطاته في اتجاهين:

الأول: الاتجاه المادي، حيث تفوِّت على المرء كثيرًا من المصالح، أو تؤدي به إلى أمراض ومصائب وإلى كوارث وخسائر متفاوتة في جسمه وولده وماله ومقتنياته، فالعجلة في تناول الأشياء، أو في مشيه، أو في قيادته لسيارته، أو في صنعه لطعامه أو في معاقبته لولده، أو في كلامه ومخاطبته، كل ذلك له آثار مادية بالغة مشهودة.

الثاني: الاتجاه النفسي، حيث تفوت العجلة على الإنسان الراحة النفسية والطمأنينة والاستقرار، والعجلة دائمًا في ذاتها وفي أثرها تؤدي إلى قلق الإنسان وانزعاجه، وتورث الأسف والأسى في مشاعره وأحاسيسه، مما يقوض صحة الإنسان النفسية واستقراره الداخلي، ومن أهم الأعراض النفسية المترتبة على العجلة الندامة والأسف بعد فوات الأوان، وهو مرض يعرض لكل الناس بقلة وكثرة (٢).

وإذا كانت العجلة طبعًا في الإنسان وسجية له أمكن أن يغير ذلك إلى الرفق والتأني، وذلك بكفِّ النفس عن العجلة، وردعها عن السرعة، وتعويدها على التروي والأناة والاستفادة من المواقف والمناسبات في مثل ذلك، ثم


(١) "روضة العقلاء" ص (٢١٦).
(٢) انظر: "العجلة" ص (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>