للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا ريب أن ما يترتب عليه هذه المفاسد أعظم من شر الغيبة، وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب والتراحم والتعاطف، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها.

والقول الثاني: أنَّه لا يكفي الاستغفار بل لا بد من الاستحلال ممن اغتابه لتصح توبته، وششحب للمغتاب أن يبرئ أخاه المسلم من هذا الذنب؛ ليفوز بثواب العفو ومحبة الله تعالى للعافين.

وهذا قول الإِمام أبي حنيفة والشَّافعي ومالك، ورواية مخرجة عن الإِمام أحمد على مسألة توبة القاذف، هل يشترط فيها إعلام المقذوف والتحلل منه أم لا؟ (١).

ورجح هذا القول الغزالي والقرطبي والنووي وآخرون (٢).

واستدلوا بحديث أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" (٣).

قالوا: ولأن الذنب حق آدمي، فلا يسقط إلَّا بإحلاله منه وإبرائه؛ ولأن في هذه الجناية حقين: حقًّا لله وحقًّا للآدمي، فالتوبة منها بتحلل الآدمي لأجل حقه، والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه.

وقاسوا هذا على الحقوق المالية التي لا تتم التوبة منها إلَّا بردها إلى أربابها.

قالوا: وحديث الباب موضوع، ومتنه باطل؛ لأن الغيبة حق آدمي فلا يسقط إلَّا بالإبراء (٤).

والذي يظهر - والله أعلم - أنَّه لا بد من الاستحلال ولا سيما إذا علم


(١) "مدارج السالكين" (١/ ٢٩٠).
(٢) انظر: "الإحياء" (٣/ ١٦٣)، "تفسير القرطبي" (١٦/ ٣٣٧)، "الأذكار" ص (٥٤٨).
(٣) رواه البخاري (٢٤٤٩) (٦٥٣٤).
(٤) انظر: "الحاوي" للسيوطي (١/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>