للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما ما تأتي إليهم فالأمر بالعرف، وهو نصحهم وأمرهم بكلِّ مستحسن شرعًا، وعقلًا وفطرة، وأعرض عمن جهل عليك بقوله أو فعله، فللَّه ما أحلى هذه الأخلاق وما أجمعها لكلِّ خير، وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)} [فصلت: ٣٤ - ٣٥].

ويُمِدّه الصبرَ والحلمَ وسعةَ العقل، وفضل هذا الخلق ومرتبته فوق ما يصفه الواصف.

ومن فوائد هذا المقام الجليل: أن صاحبه مستريح القلب، مطمئن النفس قد وطَّن نفسه على ما يصيبه من الناس من الأذى، وقد وطّن نفسه أيضًا على إيصال النفع إليهم بكلِّ مقدوره، وقد تمكّن من إرضاء الكبير والصغير والنظير، وقد تحمَّل مَنْ لا تَحْمِلُهُ مِن ثقله الجبال، وقد خفت عنه الأثقال، وقد انقلب عدوه صديقًا حميمًا، وقد أمن من فلتات الجاهلين ومضرة الأعداء أجمعين، وقد سهل عليه مطلوبه من الناس، وتيسر له نصحهم وإرشادهم والاقتداء بنبيه في قوله تعالى في وصفه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الآية [آل عمران: ١٥٩]) (١). هذا وقد مضى شيء من الكلام على حسن الخلق في أول باب "الأدب".

° الوجه الرابع: الحديث دليل على ثبوت الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة لإظهار العدل وبيان الفضل، وهو ميزان حقيقي حسي، له كفتان، وقد جاء ذكره في عديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧]، وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨)} [الأعراف: ٨]، وسيأتي في آخر الكتاب حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".


(١) "فتح الرحيم الملك العلام" ص (١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>