للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الإيمان وبأنه خير كله دليل بيِّن على قيمة الحياء وعظيم أثره على سلوك الإنسان، فإن الحياء يكسو صاحبه ثوب الوقار والسكينة، ويكشف عن قيمة إيمان العبد ومقدار أدبه، وسمو أخلاقه، وهو أعظم الأخلاق قدرًا وأكثرها نفعًا، إن الحياء أن يتحرى الإنسان الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، وأن يبتعد عن الأخلاق السيئة، وأن يعرف للناس منازلهم، وينزلهم مراتبهم، يطهر فاه من الفحش، وينزه لسانه عن العيب، ويقتصد في حديثه، ويخجل أن يؤثر عنه سَوْأَة، أو يسمع عنه ما يخدش سمعته، وإذا رأيت الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي أو ترى حمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق فاعلم أنه حيُّ الضمير، نَقِيُّ المعدن، زكي العنصر، وإذا رأيت الشخص صفيقًا بليد الشعور لا يبالي ما يفعل أو يترك، فهذا امرؤ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا (١).

وقد تقدم في كلام ابن القيم أن الحياء مشتق من الحياة، فعلى حسب حياة القلب يكون خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب، وكلما كان القلب حيًّا كان الحياء أتم، قال عمر - رضي الله عنه -: (من قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه) (٢)، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله) (٣).

ومما يعين على هذا الخلق الكريم مراقبة الله تعالى وشكر نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فمن علم أن الله تعالى ناظر إليه قريب منه أورثه هذا العلم الحياء منه، ومن علم أن الله تعالى هو المنعم المتفضل استحيا أن يستعين بنعمه على معاصيه (٤).

ومن الحياء ما يُذم وهو ما يقع سببًا لترك أمر شرعي، كأن يمنع من


(١) انظر: "خلق المسلم" للغزالي ص (١٩٦).
(٢) "مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا ص (٢٠).
(٣) "مسائل الإمام أحمد رواية البغوي" ص (٧٦).
(٤) "فتح الباري" (١/ ٧٥)، "الحياء" للهلالي ص (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>