للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كريم من أخلاق المؤمنين، أوحاه الله تعالى إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا دليل أهميته والعناية بشأنه، والتواضع أن يتذلل العبد ويستسلم عند أوامر الله تعالى فيمتثلها، وعند نواهيه فيجتنبها، ويتواضع فيما بينه وبين الناس. قال الحسن: (التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلمًا إلا رأيت له عليك فضلًا) (١).

وقال الجنيد بن محمد: (التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب) (٢).

وللقرطبي في موضوع التواضع كلمة قيمة أنقلها بتمامها، يقول: (التواضع: الانكسار، والتذلُّل، ونقيضُه التكبُّر والترفع، والتواضعُ يقتضي متواضَعًا له؛ فإن كان المتواضَعُ له هو اللهُ تعالى، أو مَن أمر اللهُ بالتَّواضع له كالرسول، والإمام، والحاكم، والوالد، والعالم، فهو التواضعُ الواجبُ المحمودُ؛ الذي يرفع اللهُ تعالى به صاحبَه في الدنيا والآخرة، وأما التواضعُ لسائر الخلق فالأصلُ فيه: أنه محمودٌ، ومندوبٌ إليه، ومُرَغَّبٌ فيه إذا قُصِد به وَجْهُ الله، ومَن كان كذلك رفع اللهُ تعالى قدره في القلوب، وطيَّب ذِكْرَهُ في الأفواه، ورَفَع درجته في الآخرة، وأما التواضعُ لأهل الدنيا، ولأهل الظلم، فذلك هو الذلُّ الذي لا عِزَّ معه، والخِسَّةُ التي لا رفعةَ معها، بل يترتب عليها ذلُّ الآخرة، وكل صفقةٌ خاسرة -نعوذ بالله من ذلك-) (٣).

وقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يتواضع لعباد الله المؤمنين، فقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)} [الشعراء: ٢١٥] أي: ألِنْ لهم جانبك، وإطلاقُ العرب خفض الجناح كنايةً عن التواضع ولين الجانب أسلوبٌ معروف (٤)، وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على التواضع ورغَّب فيه بقوله وفعله، أما القول فكما في حديث الباب، وأما الفعل ففي سيرته - صلى الله عليه وسلم - نماذج كثيرة تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس تواضعًا، وأقربهم إلى الضعيف والمسكين، وأبعدهم عن الترفع والتكبر، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت الأَمة من إماء أهل المدينة


(١) "الإحياء" (٣/ ٣٤٢).
(٢) "مدارج السالكين" (٢/ ٣٤٢).
(٣) "المفهم" (٦/ ٥٧٥).
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" (٣/ ١٨٦)، "أضواء البيان" (٦/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>