للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحسن الإسلام، وهو من مظاهر حسن الخلق وسعة الصدر، وعدم الميل إلى الانتقام.

وفي العفو سلامة القلب، ونقاؤه من الغش والغل وإرادة الشر، ومن عفا حصل له من حلاوة العفو ما تزيد لذته ومنفعته عاجلًا أو آجلًا على المنفعة الحاصلة بالانتقام أضعافًا مضاعفة.

والعفو دليل على سلامة التفكير؛ لأن من الناس من لا يعفو عمن أساء إليه، لظنه أنه يلحقه بذلك ذلٌّ أمام من اعتدى عليه، وأنه إذا انتقم صار عزيزًا مهابًا، ولا ريب أن هذا الفهم بمعزل عن الصواب، وهو من خداع النفس الأمارة بالسوء، فإنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلًّا يجده في نفسه، فإذا عفا أعزه الله تعالى، ثم إن العفو يثمر ثواب الله تعالى، كما يثمر ثناء الناس على العافي، ومحبتهم له، ونظرهم إليه بعين الإجلال والإكبار، فيزداد عزًا فوق العز الذي كان يتوقعه لو أنه انتصف من ظالمه.

ثم إن الإنسان إذا اشتغلت نفسه بالانتقام، وطلب المقابلة، ضاع عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من المصالح ما لا يمكن استدراكه، فإذا عفا وصفح فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي أهم عنده من الانتقام (١).

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: (من أعظم أنواع الإحسان: العفو عن المخطئين المسيئين، والإغضاء عن زلّاتهم، والعفو عن هفواتهم … فإنه إذا عفا عمن ظلمه وأساء إليه، زال أثر ذلك عن قلبه، وعلم أنه اكتسب عن ذلك من ربه أفضل جزاء وأعظم ثواب.

وأيضًا: فمن عفا عن عباد الله عفا الله عنه، ومن سمح عنهم سامحه الله) (٢).

° الوجه الخامس: الحديث دليل على فضل التواضع، وأنه سبب لرفعة


(١) انظر: "قاعدة في الصبر والشكر" لابن تيمية ص (٤٧) ضمن: "المجموعة العليّة".
(٢) "فتح الرحيم الملك العلَّام" ص (١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>