وهي أفضل من صلاة النهار، وذلك -والله أعلم- لما فيها من صفاء المناجاة، وتواطؤ القلب واللسان، وقلة الشواغل، والإخلاص، والبعد عن الرياء؛ لأنها في وقت الراحة والسكون ومحبة النوم، فقيام الليل شاقٌّ، إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون، قيام الليل كما يقول المنادي:
يا رجالَ الليل جِدُّوا … رُبَّ داعٍ لا يُردُّ
ما يقومُ الليلَ إلا … من له عَزْمٌ وجِدُّ
قيام الليل -ولو كان قليلًا- من أهم المولدات الإيمانية، بما يضفي على صاحبه من نور الوجه، ويقظة القلب، وحلاوة الإيمان، وهو سبب من أسباب دخول الجنة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)} [الذاريات: ١٥ - ١٨]، وقال تعالى في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)} [الفرقان: ٦٤]، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٦، ١٧].
فينبغي للمؤمنين أن يكون لهم نصيب من قيام الليل؛ لأن دقائق الليل غالية، فلا تُرْخَصُ بالغفلة، قال ابن عبد البر:(قيام الليل سنة مسنونة، لا ينبغي تركها، فطوبى لمن يُسِّرَ لها، وأُعينَ عليها، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عمل بها، ونَدَبَ إليها)(١). وقد مضى الكلام على ذلك في باب (صلاة التطوع). والحمد لله رب العالمين.