للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: أن الغرض من العبادة الثواب عليها، وهو المطلوب بالدعاء (١).

قوله: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) وذلك لأنه عبادة، والعبادة هي التي خلق الله تعالى الخلق من أجلها، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]؛ ولأن الدعاء يدل على قدرة الله تعالى وكماله، وعجز الداعي واحتياجه، كما تقدم.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل الدعاء وعظيم منزلته عند الله تعالى حيث صار الدعاء هو العبادة، وذلك لأن الداعي قد أتى بأوصاف العبادة ولوازمها، فإن الدعاء يجتمع فيه من أنواع التعبد ما لا يجتمع في غيره، ففيه عبودية القلب بالقصد والرجاء والرغبة والرهبة، وفيه عبودية اللسان بالحمد، والثناء، والطلب، والابتهال، والتضرع، وفيه عبودية البدن بالانكسار والاستكانة بين يدي الله تعالى، والتذلل له (٢).

وفي الدعاء أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وفي الدعاء يظهر افتقار العبد وضعفه وحاجته، وفيه تتجلى قدرة الله تعالى وتعلق القلوب به، وهرب الخلائق إليه.

والدعاء مستحب عند جمهور العلماء، وحكى الخطابي وجوبه (٣)، وقد أمر الله تعالى به في قوله سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥]، وقوله تعالى: {وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠] وأكثر المفسرين على أن المراد بالعبادة في قوله: {عَنْ عِبَادَتِي} أي: عن دعائي وتوحيدي (٤)، فالداعي مطيع لله، مستجيب لأمره.

قال الشوكاني: (فأفاد أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار، ولا أقبح من هذا الاستكبار، وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو


(١) "النهاية" (٤/ ٣٠٥).
(٢) انظر: "تصحيح الدعاء" ص (١٧).
(٣) "شأن الدعاء" ص (٨).
(٤) "تفسير ابن كثير" (٧/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>