للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: ساق الحافظ حديث حذيفة وعلي رضي الله عنهما؛ لأن فيهما تقييدين للحديث السابق.

أما القيد الأول فقوله: (إذا لم نجد الماء)، وهذا القيد دل عليه كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] وهذا بإجماع المسلمين، وكذا المرض.

والقيد الثاني قوله: «وجعلت تربتها» و «جعل التراب لي طهوراً»، وهذا تقييد لقوله في حديث جابر المتقدم: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»، فإن (أل) في الأرض لاستغراق أفراد الجنس - كما تقدم - فيشمل جميع أفراد الأرض، كالرمل والتراب والحجارة، وهنا قيَّده بالتراب، والتراب: ما كان له غبار.

وهذا القيد يَستدل به من يقول: إنه لا بد في التيمم من التراب الذي له غبار يعلق باليد منه شيء، ويكون هذا مخصصاً للعموم السابق في حديث جابر رضي الله عنه؛ لأنه خَصّصَ الطهورية بالتراب في مقام الامتنان، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه، ويكون الصعيد في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} المراد به: التراب، وقد ورد عن ابن عباس أنه قال: (أطيب الصعيد تراب الحرث) (١)، وهذا قول الإمام الشافعي وأحمد وأصحابهما (٢)، ودليلهم على ذلك أن الله تعالى قال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، و (من) تبعيضية، ولا يمكن أخذ البعض من الصعيد إلا إذا كان تراباً له غبار.

والقول الثاني: أنه لا يشترط التراب، بل يجوز التيمم على كل ما تصاعد على وجه الأرض، من تراب أو رمل أو حجارة، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] أي: وجهاً من الأرض طهوراً، قال الزجاج: (لا أعلم بين أهل اللغة اختلافاً في أن الصعيد وجه الأرض) (٣)،


(١) "تفسير ابن كثير" (٢/ ٢٨٠)، "تفسير ابن عباس" (١/ ٢٤١)، وإسناده ضعيف.
(٢) "المجموع" (٢/ ٢١٢)، "الإنصاف" (١/ ٢٨٤).
(٣) "معاني القرآن" (٢/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>