للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، والشوكاني (١).

وقالوا: إن (مِنْ) في الآية لا يتعين أن تكون تبعيضية، بل يجوز أن تكون بيانية أو ابتدائية، أي: إن المسح يكون من هذا الصعيد، أو إن ابتداء المسح منه، بمعنى: أن تصل أيديكم إليه ثم ترفعوها، والقرينة على ذلك عموم الحديث، فإنه نص صريح في أن من أدركته الصلاة في أيِّ أرض فهي له طهور.

ثم إن آية النساء ليس فيها (من)، قال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: ٤٣]، وآية النساء سبقت آية المائدة بسنوات.

ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك وقطعوا تلك الرمال في طريقهم، لم يرد أنهم حملوا التراب معهم ولا أمرهم به، بل كانوا يتيممون بما تيسر لهم من الأرض.

وأما القول بتخصيص الحديث فهو مردود لأمرين:

الأول: أن التربة فرد من أفراد الأرض، وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يكون مخصصاً له عند الجمهور، فإذا قلت: أكرم الطلبة وأكرم زيداً، لم يكن تخصيصاً لزيد بالإكرام؛ لأنه ذُكِرَ بحكم العام، لكن لو قلت: أكرم الطلبة، ثم قلت: لا تكرم محمداً، كان ذلك تخصيصاً؛ لأنك ذكرته بحكم غير حكم العام.

الثاني: أن الاحتجاج بلفظ (التراب) من باب مفهوم اللقب، ومفهوم اللقب ضعيف عند الجمهور من الأصوليين، والله أعلم (٢).


(١) "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٣٦٤)، "نيل الأوطار" (١/ ٣٠٥ - ٣٠٦).
(٢) انظر: "شرح تنقيح الفصول" للقرافي ص (٢١٩)، "نيل الأوطار" (١/ ٣٠٥)، "أضواء البيان" (٢/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>