للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من طريق ابن صهيب عن أنس بلفظ: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم ربنا آتنا … ") (١) وكذا عند مسلم كما تقدم. ومعني آتنا: أعطنا، والجار والمجرور (في الدنيا) متعلق بـ (آتنا) أو بمحذوف حال من (حسنة) لأنه كان في الأصل صفة لها، فلما قدم عليها صار حالًا.

وقد اختلف العلماء من سلف هذه الأمة في تفسير حسنة الدنيا على أقوال كثيرة، فقيل: العافية والصحة وكفاف المال، قاله قتادة، وقال الحسن بن أبي الحسن: العلم والعبادة، وقيل: المرأة الحسناء.

والصحيح الحمل على العموم؛ لأن النكرة في سياق الدعاء عامة؛ فكأنه يقول: أعطني كل حالة حسنة في الدنيا والآخرة، أو يقال: إن الحسنة وإن كانت نكرة في سياق الإثبات وهي لا تعم إلا أنها مطلقة، فتنصرف إلي الفرد الكامل، والحسنة الكاملة في الدنيا ما يشمل جميع حسناتها، فتشمل كل مطلوب دنيوي من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسناء، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلي غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين، وبيانها بشيء مخصوص -كما تقدم- ليس من باب تعيين المراد، إذ لا دلالة للمطلق على المقيد أصلًا، وإنما هو من باب التمثيل (٢).

قوله: (وفي الآخرة حسنة) الواو عطفت شيئين على شيئين متقدمين، ففي الآخرة عطف على (في الدنيا) باعتبار العامل وهو حرف الجر، وحسنة عطف على (حسنة).

وحسنة الآخرة دخول الجنة، وأحسنها النظر إلي وجه الله الكريم -جعلنا الله من الناظرين إلي وجهه الكريم- وتوابع ذلك من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب أو العفو من الله وغير ذلك من أمور


(١) "صحيح البخاري" (٤٥٢٢).
(٢) انظر: "تفسير ابن كثير" (١/ ٣٥٥ - ٣٥٦)، "فتح الباري" (١١/ ١٩٢)، "روح المعاني" (٢/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>