للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا لا يضر ولا يقتضي إلغاء التراب، لوجود الاضطراب، كما ذهبت إليه الحنفية والمالكية (١)، وذلك أن الحديث المضطرب إنما تتساقط رواياته إذا تساوت وجوه الاضطراب، أما إذا ترجح بعضها فالحكم للرواية الراجحة، ولا يقدح فيها رواية من خالفها، كما هو معروف في علوم الحديث.

ورواية: (أُولاهن) أرجحها؛ لأنها جاءت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق ابن سيرين عنه، ورواها عن ابن سيرين ثلاثة: هشام بن حسان، وحبيب بن الشهيد، وأيوب السختياني، وقد أخرجها مسلم في «صحيحه» من رواية هشام، فتترجح بثلاثة أمور:

١ - كثرة الرواة.

٢ - تخريج أحد الشيخين لها، وهما من وجوه الترجيح عند التعارض.

٣ - من حيث المعنى؛ لأن تتريب الأولى يجعل ما بعدها من الماء مزيلاً لأثر التراب، بخلاف ما لو كان في السابعة فإنه يحتاج إلى غسلة أخرى لتنظيفه.

وأما رواية الترمذي: «أولاهن أو أُخراهن» فإن كان ذلك من كلام الشارع فهو دليل على التخيير بينهما، وإن كان شكاً من بعض الرواة فالتعارض قائم، ويرجع إلى الترجيح، فترجح الأولى كما تقدم، ومما يؤيد أن ذلك شك من بعض الرواة قول الترمذي في روايته: «أولاهن - أو قال: أخراهن - بالتراب».

أما رواية: (إحداهن) فليست في شيء من الكتب الستة، وإنما هي عند الدارقطني والبزار (٢)، ولا تعارض غيرها لأنها مبهمة، والأولى أو السابعة معينة، فيحمل المطلق على المقيد، وترجح رواية: (أولاهن) كما تقدم.

وأما حديث: «وعفروه الثامنة بالتراب» فهي ثامنة باعتبار زيادتها على سبع الغسلات بالماء، لا باعتبار أنها الأخيرة، وعلى هذا فلا يخالف ذلك كون التراب في الأولى، والله أعلم.


(١) "شرح العمدة" لابن الملقن (١/ ٣٠٨)، "طرح التثريب" (٢/ ١٢٩ - ١٣٠).
(٢) انظر: "البدر المنير" (٢/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>