للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستحاضة ليس حدثاً ناقضاً للوضوء، وهذا قول المالكية، وذكره أبو داود بسنده عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن (١)، وهو قول عكرمة.

واستدلوا بما ذكر ابن عبد البر: أن صاحب الحدث الدائم كالاستحاضة وسلس البول لا يرتفع حدثه بالوضوء، فيكون في حقه مستحباً لا واجباً (٢).

وهذا القول وجيه؛ لأن الاستحاضة قد تكررت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولو كان الوضوء واجباً لما سكت عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولأمر به كل واحدة، ونُقِلَ ذلك نقلاً صحيحاً كما نقل الأمر بالغسل، والقول بإيجاب الوضوء لكل صلاة لا يخلو من المشقة، لكن من يفتي بذلك من العلماء قديماً أو حديثاً يرى أن الروايات التي وردت في الوضوء يشد بعضها بعضاً، والوضوء أحوط وأبرأ للذمة، وتصلي به ما شاءت من الفروض والنوافل.

الوجه الرابع: حديث عائشة دليل على القول المختار وهو أنه ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدّ بالأيام، ووجه الدلالة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم علق أحكام الحيض على إقباله، وعلق أحكام الطهارة على إدباره - كما جاء في بعض الروايات - ولو كان له حد لا يزيد عليه لبيَّنه لها وللأمة عموماً لما يتعلق به من أحكام شرعية كثيرة أهمها الصلاة والصيام ..

وحكى ابن المنذر هذا القول عن طائفة من العلماء (٣)، ونقله النووي: عن الدارمي (٤).

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال: (ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك، واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قَدّرَ في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة) (٥).

ومما يبين ضعف أقوال المحددين اختلافها واضطرابها، مما يدل على


(١) "سنن أبي داود" (١/ ٨٢).
(٢) "التمهيد" (١٦/ ٩٧، ٩٨).
(٣) "الأوسط" (٢/ ٢٢٨).
(٤) "المجموع" (٢/ ٣٨١).
(٥) "الفتاوى" (١٩/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>