للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصح وأثبت من حديث رافع، فإنه وإن كان صحيحاً لكنها أثبت منه، وهي مشهورة مستفيضة، والتغليس فِعْلُهُ صلّى الله عليه وسلّم حتى مات، وكذا فعل الخلفاء الراشدين بعده وجماعة من الصحابة والتابعين، كما حكى ذلك الحازمي (١).

وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: (إن هذا تتفق به معاني أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم) (٢)؛ واختاره - أيضاً - الشيخ عبد العزيز بن باز.

وعليه فتكون الأدلة المتقدمة، التي تفيد استمرار النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة بغلس قرينة على أن المراد بـ «أصبحوا بالصبح» غير ظاهره، وأن المراد تحقق الصبح لا حقيقة الإسفار.

ومما يؤيد ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى صلاة لغير ميقاتها، إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء، وصلّى الفجر قبل ميقاتها) (٣).

ويعني ابن مسعود صلاة الفجر بمزدلفة، كما في رواية أخرى، ومراده رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يؤخر الفجر عن أول طلوع الفجر حتى يتبين وينكشف ويظهر، إلا ذلك اليوم فإنه عجلها ودخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير، ليتسع وقت الوقوف بالمشعر الحرام، وليس المراد أنه صلاها قبل دخول وقتها، لحديث جابر رضي الله عنه: (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) (٤)، وذلك أن الناس كانوا بمزدلفة مجتمعين، والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ، وقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق اخر: (ثم صلّى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع) (٥).

القول الثاني: أن المراد بالحديث تطويل القراءة في الفجر حتى يخرج منها مسفراً، وهذا قول الطحاوي (٦) وابن القيم (٧)، وبعض الحنابلة، كما ذكر


(١) "الاعتبار" (٢٠١).
(٢) "الفتاوى" (٢٢/ ٩٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٦٨٢).
(٤) أخرجه مسلم (١٢١٨).
(٥) أخرجه البخاري (١٦٨٣).
(٦) "شرح معاني الآثار" (١/ ١٨١).
(٧) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>