للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن تيمية، قالوا: لأن الحديث ورد بلفظ: «أسفروا بالفجر»، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ بالستين إلى المائة - كما تقدم - وهي مدة كافية في الدخول بالغلس والخروج بالإسفار، فيكون قوله صلّى الله عليه وسلّم موافقاً لفعله لا مناقضاً له.

وهذا القول تبدو وجاهته، لكن يؤثر عليه حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النساء كن يشهدن صلاة الفجر مع النبي صلّى الله عليه وسلّم متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن لا يعرفهن أحد من الغلس) (١)، ولو قرأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جداً، فهذا يفيد أنه كان يصليها في أول وقتها ويخرج منها مغلساً لا مسفراً.

والقول الثالث: أن المراد به تأخير الصلاة حتى يزول الغلس ويحصل الإسفار، وهو قول الحنفية، والذي يستفاد من كلام صاحب «تحفة الأحوذي» أن بعضهم يقول بالتغليس، كما نقله عن السرخسي منهم (٢)، ومؤدى هذا القول أن حديث رافع ناسخ للصلاة في الغلس.

وهذا القول أضعف الأقوال؛ لأن حديث رافع حديث محتمل، وهو معارض بما هو أقوى منه، وهي الأحاديث القولية والفعلية الدالة على المبادرة بالفجر وأنها تصلى بغلس.

يقول الترمذي عن التغليس: (هو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم منهم: أبو بكر، وعمر، ومن بعدهم من التابعين .. ) (٣).

وفي كتاب «الرسالة» للشافعي مناقشة علمية حول معنى هذا الحديث والعمل به، فراجعها (٤).

يقول ابن تيمية: (التغليس أفضل من الإسفار، إذا لم يكن ثَمَّ سبب يقتضي التأخير، فإن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تبين أنه كان يغلس بصلاة الفجر) (٥). والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه البخاري (٥٧٨)، ومسلم (٦٤٥).
(٢) "التحفة" (١/ ٤٨٢ - ٤٨٣).
(٣) "جامع الترمذي" (١/ ٢٨٩).
(٤) "الرسالة" ص (٢٨٢).
(٥) "الفتاوى" (٢٢/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>