للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة الفجر حتى تطلع الشمس»، وهذا لفظ مسلم، وأما لفظ البخاري فهو ما ذكره المصنف، وبهذا يتضح الفرق بينهما في السياق.

وغرض الحافظ من إيراد لفظ مسلم بيان أن رواية البخاري محمولة على رواية مسلم؛ لأنها مفسرة لها، حيث بينت أن النهي متعلق بالصلاة لا بطلوع الصبح، وكذا العصر، وقد اقتصر صاحب «عمدة الأحكام» على لفظ الصحيحين، ولم يورد رواية مسلم (١)، ولو ذكرها أو اقتصر عليها لكان أولى.

الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:

قوله: (لا صلاة) هذا نفي، والنفي قد يكون نفياً للوجود، مثل: لا خالق إلا الله، وقد يكون نفياً للصحة، مثل: لا صلاة بغير طهارة، وقد يكون نفياً للكمال، مثل لا صلاة بحضرة طعام - على أحد القولين ـ، لا إيمان لمن لا أمانة له. والنفي في حديث الباب ليس نفياً للوجود؛ لأنه قد توجد صلاة في هذين الوقتين، وليس نفياً للكمال؛ لأن الأصل في نفي الشرع أن يكون لنفي الصحة لا لنفي الكمال إلا بدليل، ونفي الصحة نفي للوجود الشرعي في الواقع، فيكون قوله: «لا صلاة» نفياً للصلاة الشرعية، لا نفياً للفعل الحسي، ويكون النفي بمعنى النهي، أي: لا تصلوا فمن فعل فصلاته باطلة، وإنما عبر بالنفي لأنه أبلغ من النهي؛ لأن فيه تقريراً وتأكيداً لاجتنابه، كأنه أمر لا يمكن أن يكون، وأما النهي فلا يعطي هذا المعنى.

قوله: (بعد الصبح) بينت رواية مسلم التي ذكر الحافظ أن المراد بعد صلاة الصبح، وأما قبل الصلاة فليس بوقت نهي، لكن لا يشرع فيه سوى ركعتي الفجر، على أحد القولين، كما سيأتي إن شاء الله.

قوله: (حتى تطلع الشمس) في لفظ عند مسلم: «حتى تشرق الشمس» بضم التاء وفتحها، وظاهرهما أن طلوع الشمس وإشراقها غاية النهي، وليس هذا مراداً، بل المراد بطلوعها: ارتفاعها ونقاؤها لا مجرد ظهور قرصها، وقد جاء حديث أبي سعيد بلفظ: «حتى ترتفع الشمس» عند البخاري، كما جاء


(١) "عمدة الأحكام" ص (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>