للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أول وقتها) لأن كلمة (على) تفيد الاستعلاء، ومعناه الاستعلاء على جميع الوقت، فيكون فيها دلالة على فضل أول الوقت (١).

ويؤيد ذلك عموم الأدلة في الأمر بالمسارعة إلى الخيرات، وأسباب المغفرة، ومدح المسارعين.

كما يؤيده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يبادر بالصلاة بعد الأذان، بعد وقت يتوضأ فيه المتوضئ، ويتهيأ فيه، ولا ينافي ذلك أنه في أول الوقت، فإن التأهب للصلاة، والأخذ بأسبابها من الطهارة ونحوها مما يدخل في هذا المعنى.

ويستثنى من ذلك صلاتان:

الأولى: العشاء فقد كان من هديه صلّى الله عليه وسلّم ملاحظة المأمومين - كما تقدم - فإن راهم تأخروا تأخر حتى يجتمعوا.

الثانية: الظهر، فإنه كان إذا اشتد الحر يأمر بالإبراد، كما مضى.

الوجه الثالث: لا يعارض هذا الحديث الدال على أن الصلاة في أول وقتها أفضل الأعمال حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي العمل أفضل؟ قال: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله .. الحديث» (٢).

وقد أجاب العلماء عن ذلك بعدة أجوبة، ومنها: أن حديث ابن مسعود - هذا - يراد به مراتب الأعمال الظاهرة البدنية؛ لأنه سيق لبيان ذلك، ولأن المتبادر إلى الفهم عند ذكر الأعمال على الإطلاق هي أعمال الجوارح لا أعمال القلوب، ولا ريب أن الصلاة هي أعظم حقوق الله تعالى بعد الإيمان.

وأما الأحاديث التي فيها أن أفضل الأعمال الإيمان بالله تعالى فهي على الأصل؛ لأن أول وأفضل ما افترضه الله على عباده هو الإيمان، والله تعالى أعلم (٣).


(١) "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٢٠٩).
(٢) أخرجه البخاري (٢٥١٨)، ومسلم (٨٤)، ومثله حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاري (٢٦)، ومسلم (٨٣).
(٣) انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ٧)، "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٧١١) وابن حجر (٢/ ٩)، "المفاضلة في العبادات" ص (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>