للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا لا يدل على جواز الصلاة بعد العصر مطلقاً، خلافاً لمن ذهب إلى ذلك، وإنما يدل على جواز قضاء النافلة عند نسيانها أو الانشغال عنها، كما يدل على ذلك سياق الأحاديث المتقدمة، فتكون من ذوات الأسباب التي يجوز فعلها في وقت النهي، أما ما ليس له سبب فهو باق في عموم أحاديث النهي، ولم يرد دليل يخرجه من هذا العموم.

وهذا فيه جمع بين الأدلة، وبه قال جمع من المحدثين، ومنهم الحافظ البيهقي، وابن حجر (١)، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، فإنه ضعَّف الزيادة في الحديث، وكذلك العظيم ابادي كما في «إعلام أهل العصر» (٣) والألباني كما في «الضعيفة» (٤).

أما مداومته صلّى الله عليه وسلّم على هاتين الركعتين بعد العصر، فقد ورد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصليهما بعد العصر؟ فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما، أو نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها (٥).

وهذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه نهى عن الصلاة بعد العصر، فَيُغَلَّبُ جانب أحاديث النهي لقوتها وصراحتها، وقد ذكر ذلك الشوكاني عند كلامه على أفعال الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: (القسم الخامس: أن يكون القول عاماً له وللأمة، فيكون الفعل على تقدير تأخره مخصصاً له من عموم القول، وذلك كنهيه عن الصلاة بعد العصر، ثم صلاته الركعتين بعدها، قضاءً لسنة الظهر ومداومته عليهما، وإلى ما ذكرنا من اختصاص الفعل به ذهب الجمهور، قالوا: وسواء تقدم الفعل أو تأخر) (٦)، والله تعالى أعلم.


(١) "فتح الباري" (٢/ ٦٥).
(٢) "الفتاوى الكبرى" (١/ ١٨٤).
(٣) ص (٢٠٢) (٢٠٩).
(٤) (٢/ ٣٥٢).
(٥) أخرجه مسلم (٨٣٥).
(٦) "إرشاد الفحول" ص (٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>