للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:

قوله: (إذا وقع الذباب) هو بضم المعجمة، مفرد، وجمعه أذِبَّة وذِبَّان، كغراب وأغربة وغربان (١).

قال الدَّميري: (الذباب عند العرب يطلق على الزنابير والنحل والبعوض بأنواعه، كالبق، والبراغيث والقمل والصُّؤاب والناموس والفَرَاش، والنمل، والذباب المعروف عند الإطلاق العرفي) (٢)، ولعل الأخير هو المراد بهذا الحديث، وسمي ذباباً لكثرة حركته واضطرابه.

قوله: (في شراب أحدكم) هذا لفظ البخاري في كتاب «بدء الخلق» ولفظه في «الطب» «في إناء أحدكم»، وفي حديث أبي سعيد - كما تقدم ـ: «إذا وقع في الطعام» والتعبير بالإناء أشمل (٣)، لكن يظهر أن الحافظ اختار رواية (شراب) لمناسبتها لباب المياه، والله أعلم.

قوله: (فليغمسه) أي: في الطعام أو الشراب، كما في حديث أبي سعيد - المتقدم - ولفظه: «إن أحد جناحي الذباب سُمٌّ، والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه، فإنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء».

والأمر بغمسه ليخرج الشفاء كما خرج الداء، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تقابل تلك المادة السُّمِّية بما أودعه الله فيه من الشفاء في جناحه الآخر بغمسه كله، فتقابل المادةَ السميةَ المادةُ النافعةُ فيزول ضررها - بإذن الله تعالى - وهذا نصَّ عليه حذاق الأطباء قديماً، كما ذكر ابن القيم والحافظ ابن حجر وغيرهما، وأثبت ذلك الاكتشافات العلمية الحديثة - كما سيأتي إن شاء الله ـ.

وهذا أمر إرشاد لا أمر إيجاب، وفي رواية للبخاري في «الطب» «فليغمسه كلَّه» وذلك لدفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه.

قوله: (فإن في أحد جناحيه داء .. ) تعليل للأمر بغمسه، وفي حديث


(١) "الصحاح" (١/ ١٢٦).
(٢) "حياة الحيوان الكبرى" (١/ ٣٥٢).
(٣) "فتح الباري" (١٠/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>