أبي سعيد - المتقدم ـ:«فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء» ويستفاد من حديث أبي سعيد تفسير الداء الواقع في حديث الباب وأن المراد به السم، قال الحافظ:(ولم يقع لي في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر، فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء، والمناسبة في ذلك ظاهرة)(١).
الوجه الثالث: الحديث دليل على طهارة الذباب، وأنه لا ينجس ما وقع فيه من طعام أو شراب أو ماء ولا يفسده؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر بغمسه ولم يأمر بإراقة ما وقع فيه.
الوجه الرابع: في الحديث الأمر بغمس الذباب كله فيما وقع فيه من طعام أو شراب ثم نزعه، والانتفاع بما وقع فيه، وذلك للعلة وهي قوله:«فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء»، وقد يكون الطعام حاراً، ومعلوم أنه يموت إذا غمس فيه، فلو كان ينجسه لكان أمراً بإفساد الطعام، وهو صلّى الله عليه وسلّم إنما أمر بإصلاحه، لكن هذا الأمر ليس للوجوب، وإنما هو لإرشاد من أراد أن يأكل أو يشرب مما وقعت فيه الذبابة أن يغمسه فيه، أما الذي لا يريد الأكل أو الشرب بأن تعافه نفسه فلم يتطرق إليه الحديث.
الوجه الخامس: يقاس على الذباب كل ما أشبهه مما لا نفس له سائلة - أي ما لا دم له يسيل - وليس متولداً من النجاسات، كالزنبور والعنكبوت والخنفساء والجعلان والنحل والبق والبعوض ونحو ذلك، فإذا وقع في طعام أو شراب لم يُحَرِّمْهُ ولم ينجسه، لهذا الحديث، والحكم يعم بعموم علته وينتفي لانتفاء سببه، ولما كان سبب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس؛ لانتفاء علته.
قال ابن المنذر: (قال عوام أهل العلم: لا يفسد الماء بموت الذباب