للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متفاوتة الخفاء والظهور، فيجب على كل أحد فِعْلُ مقدوره من ذلك، فإذا فعل ذلك وصلّى صحت صلاته وإن صلّى إلى غيرها على الصحيح من أقوال أهل العلم، خلافاً لمن قال: تجب عليه الإعادة، لوجوب الاستقبال قطعاً؛ لأنه أدى ما عليه، والله تعالى أوجب على العبد أن يتقيه ما استطاع، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

والواجب على المسافر ونحوه عند حضور الصلاة أن يجتهد ويتحرى القبلة وينظر في الوسائل التي تعينه على ذلك، كالشمس والقمر والنجوم لقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: ١٦]، ويدخل في عموم الآية الاهتداء بها إلى جهة القبلة، والمراد به: القطب، وهو نجم خفي جداً بقربه نجم واضح وهو الجدي، وأما الشمس والقمر فلأن كلًّا منهما يخرج من المشرق ويغرب من المغرب، فيمكن تحديد القبلة بهما، أو يعتمد على الآلة المعروفة في تحديد القبلة، ثم يصلي حسب ما أداه إليه اجتهاده، فإن ظهر له أنه صلى لغير القبلة فصلاته صحيحة؛ لأنه أدى ما عليه واجتهد، والآية الكريمة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] تفيد ذلك من حيث العموم؛ فحيثما صلّى فقد صلّى لله وإلى وجه الله.

يقول الشيخ محمد البنوري: (أصل جميع ذلك أن الشريعة الإسلامية قد وسعت الأمر في باب القبلة على المكلفين، فأجازت لهم استقبال الجهة التي فيها الكعبة حيث تعسر عليهم الاهتداء إلى عين الكعبة، فقال سبحانه: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤].

وأجاز لهم عند الاشتباه بقوله سبحانه وتعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] وسرُّ ذلك: أن الاستقبال حقيقة إلى الله ذي الكبرياء والعظمة وتقدست ذاته عن حدود الجهات، فكانت الجهات إليه تعالى سواسية، ولكن اقتضت الحكم الربانية والمصالح الإلهية الأزلية تخصيص الكعبة المباركة المحترمة بالاستقبال، ولكن إذا تعذر الاستقبال عادت الحقيقة الأصلية التي لا تختص بالجهات، فقال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، ففطن لهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>