للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول: أن المساجد لا تسلم من تلويث فرشها حتى مع العناية بالنعال وتفقدها؛ لأن الفرش سريعة التأثر باللون والرائحة، وطبيعة الشوارع تساعد على التلويث حتى مع طهارة النعل، ولذا قال ابن عابدين: (إذا خشي تلويث فرش المسجد ينبغي عدم الصلاة في النعال، وإن كانت طاهرة) (١).

الثاني: أن الغالب على الناس الغفلة عن العناية بنعالهم حين يدخلون المسجد.

والصلاة في النعال موضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنها من باب الرخص، فتكون مباحة، ولا تصل إلى درجة الاستحباب، وهو قول ابن دقيق العيد (٢)؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو الزينة؛ لأن ملامسة النعل للأرض يقصر بها عن هذا المقصود.

والقول الثاني: أن الصلاة في النعال سنة، وهو قول الحنابلة، واستدلوا بحديث شداد بن أوس مرفوعاً: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» (٣)، وهذا أمر، وأقل أحواله الاستحباب، ومخالفة اليهود أمر مطلوب شرعاً. لكن إن خيف من الصلاة في النعال مفسدة، فإنه يجب مراعاتها، على قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإن كان الإنسان في أرض حصباء أو في البر جاز أن يصلي في نعليه.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن من صلّى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه، ووجه الدلالة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد بنى على ما مضى من صلاته، ولو كان التلبس بالنجاسة حال النسيان أو الخطأ موجباً للإعادة لاستأنف الرسول صلّى الله عليه وسلّم الصلاة من أولها ولم يبن على ما كان صلّى، وهذا هو القول الراجح من قولي أهل العلم، أما إن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن أمكن طرحها بدون عمل كثير أو كشف عورة ألقاها، كما خلع النبي صلّى الله عليه وسلّم نعليه، وإلا بطلت صلاته، واستأنفها بعد إزالة النجاسة، والله أعلم.


(١) "حاشية ابن عابدين" (٢/ ٤٢٩).
(٢) "شرح العمدة" (٢/ ٣٤٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٦٥٢) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>