٤ - أن الأصل براءة الذمة، فلا تشغل بالوجوب إلا بدليل صريح خالٍ عن المعارض، وأدلة الوجوب مصروفة عنه بهذه الأدلة.
والحق أن الأدلة صريحة في الوجوب؛ لأنها جاءت بصيغ الأمر المتعددة، وهو ظاهر في الوجوب، فإن وجد ما يصرفه عن الوجوب إلى الندب فذاك، وإلا بقي على أصله، وأدلة الجمهور ليست بناهضة في صرفه إلى الندب، فإن حديث ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلّم صلّى في فضاء ليس بين يديه شيء، مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يواظب على السترة حضراً وسفراً، إلا إن قيل: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعله لبيان الجواز، وقد تقدم قول ابن خزيمة:(وقد زجر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي المصلي إلا إلى سترة فكيف يفعل ما يزجر عنه؟!).
وأما حديث ابن عباس الثاني وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى في منى إلى غير جدار فهو محتمل أن معناه: إلى غير سترة، أو إلى سترة غير جدار، ولا يلزم من عدم الجدار عدم السترة؛ لأنه لا يلزم من عدم الأخص عدم الأعم.
وأقوى ما في أدلة الجمهور حديث أبي سعيد رضي الله عنه فإن كان مؤيداً لما قبله في صرف الأمر إلى الندب، وإلا بقي الأمر للوجوب، والأحوط ألا يصلي أحد إلا إلى سترة، والله أعلم.