وأما رواية:«فإن معه القرين»، فقد وردت عند مسلم (٥٠٦) من طريق الضحاك بن عثمان، عن صدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين».
وظاهر صنيع الحافظ أن هذه الرواية من حديث أبي سعيد، وأنها من المتفق عليه، وليس كذلك، وإنما هي عند مسلم من حديث ابن عمر، كما ذكرت، وكان الأولى بالحافظ أن يشير إلى ذلك كما هي عادته، وقد وَهِمَ الصنعاني فعزا هذه الرواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم، وليس كذلك.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظهما:
قوله:(إذا صلى أحدكم إلى شيء) أي: جعل شيئاً أمامه في صلاته يحول بينه وبين الناس.
قوله:(أن يجتاز بين يديه) أي: قريباً منه بينه وبين سترته.
قوله:(فليدفعه) أي: فلينحه، وفي رواية مسلم - المتقدمة ـ:«فليدفع في نحره» واللام: لام الأمر.
قوله:(فإن أبى فليقاتله) أي: فإن امتنع أن يندفع ويرجع (فليقاتله) أي: فليدافعه بشدة، وليس المراد بذلك المقاتلة بالسلاح، ولا بما يؤدي إلى الهلاك بالإجماع، وإنما المراد أن يدفعه بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشد منه، كما فعل أبو سعيد رضي الله عنه.
قوله:(فإنما هو شيطان) الضمير يعود على الشخص الممتنع عن الاندفاع والرجوع.
ومعنى «شيطان» أي: متمرد، وشيطان كل جنس: متمرِّدُه وعاتيه، قال تعالى:{شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: ١١٢] والمعنى: فإنما هو شيطان من بني آدم قد تعدى وعتا.
وهذه الجملة للتعليل، والغرض منها الحث على مدافعته، حيث إنه شيطان، ومروره يفسد على المصلي صلاته أو ينقصها.