للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما ما تقدم في أول الباب من أن الشيطان يقطع مروره الصلاة، فالظاهر أن المراد به: شيطان الجن؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر أنه يقطع الصلاة، أما شيطان الإنس فلم يرد ما يدل على أنه يقطع الصلاة - فيما أعلم - إلا ما خصه الدليل، وهو المرأة البالغة، على ما تقدم (١).

قوله: (فإن معه القرين) لعل الحافظ أورد هذه الرواية؛ لأن فيها معنى آخر غير معنى الأولى، ومعناها: أن الحامل له على المرور بين يدي المصلي هو الشيطان الذي هو قرينه، فهو الذي يؤزُّه ويسوقه إلى ذلك؛ لأنه من دعاة النار، وكل إنسان معه قرين، لما ورد في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن»، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: «وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (٢) فلا يأمرني إلا بخير». وفي لفظ: «ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة .. » (٣)، قال ابن الأثير: («ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه» أي: مصاحبه من الملائكة والشياطين، وكل إنسان فإن معه قريناً منهما، قرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه) (٤).

الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية دفع من أراد المرور بين يدي من صلّى إلى شيء يستره من الناس؛ لأن مروره يشوش على المصلي صلاته، ويوقع المار في الإثم.

وظاهر الحديث أن دفع المار واجب لقوله: «فليدفعه»، وهذا أمر فيقتضي الوجوب، ويؤيد ذلك قوله: «فإن أبى فليقاتله»، وهو رواية عن الإمام


(١) انظر: "إتحاف الإخوة" ص (٥٥).
(٢) قوله: (فأسلم) بضم الميم وفتحها، فالضم على معنى: فأسلمُ أنا منه، وهي التي صححها الخطابي ورجحها، والفتح على معنى: أنه أسلمَ، من الإسلام، ورجحها القاضي عياض في "شرحه على مسلم" (٨/ ٣٥٠) لقوله: "فلا يأمرني إلا بخير".
(٣) أخرجه مسلم (٢٨١٤).
(٤) "النهاية" (٤/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>