للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإذا خشع القلب خشعت الجوارح، وظهر عليها السكون والطمأنينة والوقار والتواضع، وإذا فسد خشوع القلب بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء، وذهب خشوعها.

والخشوع أمر عظيم شأنه، أثنى الله تعالى على المتصفين به، فقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ١ - ٢] وهو سريع فقده، لا سيما في هذا الزمان، وقد ورد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعاً» (١).

والخشوع في الصلاة هو روحها ولبها، ولا يحصل ذلك إلا لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، واستحضر فيها عظمة الله تعالى فصارت راحة له وقرة عين، والصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، إلا أن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها، لما ورد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» (٢).

وقد حكى النووي إجماع العلماء على استحباب الخشوع في الصلاة (٣)، وهذا فيه نظر؛ فإن الغزالي نصر القول بالوجوب (٤)، والقرطبي حكى في «تفسيره»


(١) أخرجه الطبراني بإسناد حسن، كما قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (١/ ٣٥١)، وله شاهد من حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- عند النسائي في "الكبرى" (٥/ ٣٩٢)، وأحمد (٣٩ - ٤١٧ - ٤١٨) والطبراني في "الكبير" (٧/ ٣٥٤) وغيرهم، وانظر: "صحيح الترغيب والترهيب" للألباني (١/ ٢٨٨)، والأحاديث في هذا وإن كانت لا تخلو من مقال، لكنها باجتماعها تقوى، والواقع يؤيدها، انظر: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" ص (٩، ٣٩٩).
(٢) أخرجه أبو داود (٧٩٦) والنسائي في "الكبرى" (١/ ٣١٦)، وأحمد (٣١/ ١٨٩) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣/ ١٣٦ - ١٣٧) من طرق عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن عَنَمَةَ، عن عمار -رضي الله عنه- مرفوعًا، وحسنه الألباني. "صحيح الجامع" (٢/ ٦٥).
(٣) "المجموع" (٢/ ٣١٤).
(٤) "الإحياء" (١/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>