للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحديث دليل على نهي المصلي عن البصاق بين يديه، وعن يمينه، سواء أكان ذلك في المسجد أم خارج المسجد، لما تقدم من التعليل من أن الله تعالى قبل وجه المصلي وأنه يناجي ربه وأن عن يمينه ملكاً.

والظاهر أن النهي للتحريم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب لما رأى البصاق في جهة القِبلة، ونهى وبين علة النهي.

فإذا اضطر الإنسان إلى البصاق وهو يصلي فإنه يبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى إذا كان يصلي في صحراء، أو في مكان في بيته فيه تراب.

وأما البصاق في المسجد فسيأتي الكلام عليه في «أحكام المساجد» إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه ينبغي للمصلي أن يخشع في صلاته وذلك بإخلاص قلبه وحضوره وتفريغه لذكر الله تعالى وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره، لأن المصلي واقف بين يدي ربه يناجيه.

الوجه الخامس: الحديث دليل على أن الله تعالى قِبَلَ وجه المصلي، أي: مواجهه مواجهة تليق بالله تعالى، ولا يلزم من ذلك أنه سبحانه مختلط بخلقه، فهو تعالى فوق سمواته مستو على عرشه، وهو قريب من خلقه، ومحيط بهم، فالنصوص جمعت بين كون الله تعالى قِبَلَ وجه المصلي، وأنه على عرشه، والنصوص لا تجمع بين متناقضين بحال، لأن ذلك محال، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن الحديث حق على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قِبَلَ وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوق، فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت - أيضاً - قبل وجهه) (١)، والمعنى: أنه إذا كان هذا ممكناً في المخلوق، ففي الخالق أولى بلا شك، والنص إذا كان محتملاً وجب أن يفسّر بما يوافق النصوص المحكمة الصريحة، والواجب على المسلم أن يؤمن بهذه النصوص ولا يسأل عن كيفيتها، والله تعالى أعلم.


(١) "مجموع الفتاوى" (٥/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>