للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم رفع البصر إلى السماء حال الصلاة، سواء أكان ذلك في حال القيام أم في حال الرفع من الركوع أم غير ذلك، وكذا في حال الدعاء، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حذر من ذلك، واشتد قوله فيه، وذكر عقوبة من فعل ذلك، وهذا هو الراجح في حكم رفع البصر إلى السماء وهو التحريم، لأن مثل هذا الوعيد لا يكون إلا على محرَّم.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!» فاشتد قوله في ذلك حتى قال: «لينتهُنَّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم» (١).

والجمهور على أن ذلك لا يبطل الصلاة، وذهب ابن حزم الظاهري إلى بطلان صلاة من رفع بصره إلى السماء (٢)، بناء على أن النهي يقتضي الفساد والبطلان. وإنما نُهي عن رفع البصر - والله أعلم - لأنه ينافي الخشوع والإقبال على الله تعالى، ولأنه إعراض عن القبلة، لأن القبلة ما يقابل الإنسان، لا ما يرفع إليه بصره؛ ولأنه خروج عن هيئة الصلاة، لأن الصلاة لها حالة معينة غير حالات الإنسان التي يعتادها في غير الصلاة.

قال ابن رجب: (والمعنى في كراهة ذلك؛ خشوع المصلي وخفض بصره، ونظره إلى محل سجوده، فإنه واقف بين يدي الله عزّ وجل يناجيه، فينبغي أن يكون منكساً رأسه ومطرقاً إلى الأرض) (٣).

الوجه الرابع: اختلف العلماء في رفع البصر خارج الصلاة حال الدعاء فكرهه أناس، وأجازه الأكثرون، كما قال الحافظ، لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة. والراجح المنع؛ لأن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة؛ لوجوه ثلاثة:


(١) أخرجه البخاري (٧٥٠).
(٢) "المحلى" (٤/ ١٦ - ١٧).
(٣) "فتح الباري" (٦/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>