للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيكون المراد: الأنبياء وكبار أتباعهم، فاكتفى بذكر الأنبياء، ويؤيد ذلك حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه الآتي، ولفظه: (كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) كما يؤيده حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم؛ واتخاذ القبور مساجد يشمل بناء المساجد عليها، أو اتخاذها مكاناً للصلاة عندها ولو لم يبن المسجد، فمن تردد على قبر يصلي عنده فقد اتخذه مسجداً، لأن كل موضع قصدت الصلاة فيه فهو مسجد، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» (١).

قوله: (بنوا على قبره مسجداً) أي: مكاناً للصلاة، ويُسمى عند النصارى كنيسة.

قوله: (أولئِك شرار الخلق) بكسر الكاف، لأن الخطاب للمؤنث والمشار إليه بانو المساجد على القبور وواضعو الصور فيها.

ومعنى (شرار الخلق): أعظمهم شراً عند الله تعالى، لما يحصل بفعلهم من الفتنة والشرك بالله تعالى، وكل ما كان وسيلة إلى الشرك فصاحبه جدير بهذا الوصف.

الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم بناء المساجد على القبور، وأن هذا من كبائر الذنوب، وهو من فعل شرار الخلق عند الله تعالى، وهو من عمل اليهود والنصارى - وهم الغلاة في أنبيائهم وصالحيهم - والبناء على القبور من وسائل تعظيمها وعبادتها من دون الله تعالى، ويدخل في ذلك قصد القبور للصلاة عندها، فإن ذلك من اتخاذها مساجد، لأن العلة في بناء المساجد عليها موجودة في الصلاة عندها، فإن ذلك ذريعة إلى نوع من الشرك، بقصدها والعكوف عندها، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (٢).

وقد تبع اليهودَ والنصارى ضُلاّلُ هذه الأمة وغلاتُها في بلدان كثيرة،


(١) تقدم في أول باب "التيمم".
(٢) "اقتضاء الصراط المستقيم" ص (٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>