بفتح القاف والواو: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وسمي القَوَد قَوَداً، لأن الجاني يقاد إلى أولياء المقتول فيقتلونه به إن شاؤوا.
قوله:(وأن تُقام فيه الحدود) أي: تُنفذ، والحدود هي العقوبات البدنية المقدرة شرعاً لحق الله تعالى، كحد الزنى، وحد القذف، وحد الشرب.
الوجه الرابع: الحديث دليل على النهي عن استيفاء القصاص أو تنفيذ الحدود في المسجد، وظاهر النهي أنه للتحريم، والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم إلا أن معناه صحيح، فإن إقامة الحد في المسجد وإن كان إجراء لحكم الله تعالى إلا أنه يؤدي إلى تلويث المسجد، فإنه إذا ضرب الجاني أو قُطعت يده أو اقتص منه لوث المسجد، مع ما في ذلك من اللغط ورفع الأصوات فيه، وكل ذلك غير لائق بالمسجد، لأن الله تعالى يقول:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور: ٣٦]، وهذا الرفع يشمل الرفع الحسي بالبناء والتطهير من الأذى والقذر وكل ما لا يليق بالمسجد، والرفع المعنوي بإقامة ذكر الله تعالى وطاعته من الذكر والتلاوة والصلاة والابتعاد عن معصيته من اللغو وقول الزور وكل فعل يخل بتشريفها.
ولم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أحد من أصحابه أنهم أقاموا الحدود في المسجد، ولما جاء ماعز رضي الله عنه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو في المسجد وأقرّ عنده بالزنى قال:«اذهبوا به فارجموه»(١)، والله تعالى أعلم.
(١) رواه البخاري (٥٢٧١) ومسلم (١٦٩١) (١٦) وسيأتي شرحه في كتاب "الحدود" إن شاء الله تعالى.