للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعلى هذا فالتشييد تطويل البناء ورفعه، أو طليه بالشيد، وهو الجص، وقد ذكر المفسرون هذا عند الآية الكريمة.

قوله: (لتزخرفنها) بفتح اللام - وهي لام القسم - وضم التاء، وفتح الزاي، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الراء، وضم الفاء، وتشديد النون؛ والزخرفة: الزينة، وأصل الزخرفة: الذهب، ثم استعمل في كل ما يتزين به.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن تشييد المساجد وزخرفتها ليس أمراً مشروعاً وليس من القُرَبِ، لأنه قال: (ما أمرت) وهذا فيه إشعار بأن ذلك أمر لا يحسن ولا ينبغي، فإنه لو كان حسناً لأمر الله تعالى به نبيه صلّى الله عليه وسلّم.

ولا يدل ذلك على التحريم، وإلا لقال: نهيت عن تشييد المساجد، وفرق بين اللفظين، لكنه يدل على أنه عمل غير مشروع، وقال الشوكاني: (والحديث يدل على أن تشييد المساجد بدعة) (١) لأن المطلوب في بناء المساجد الاقتصار على ما أكنّ من الحر والبرد والمطر، ولكن لما طال العهد شيد الناس المساجد وزخرفوها، ورفعوا بنيانها فوق الحاجة، والمطلوب البعد عن ذلك، لأن هذا مما يشغل المصلين ويجعلهم ينظرون ويتأملون، فتحصل الغفلة عن الخشوع في الصلاة والإقبال عليها.

وقد ورد عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر رضي الله عنه وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج (٢).

قال ابن بطال، بعد أن ذكر آثاراً تدل على كراهة المغالاة في تشييد المساجد قال: (وهذه الآثار مع ما ذكر البخاري في هذا الباب تدل على أن


(١) "نيل الأوطار" (٢/ ١٤٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>