للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السنّة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنائها.

وكان عمر رضي الله عنه قد فتح الله الدنيا على أيامه، ومكنه من المال، فلم يغير المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم جاء الأمر إلى عثمان، والمال في زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقَصَّة (١)، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يقصِّر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بكراهة ذلك، وليُقتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد في معالي أمورها وإيثار البلغة منها) (٢).

فعمر رضي الله عنه أبقى المسجد على صفته التي كان عليها زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بل نهى عن زخرفة المسجد، لأن ذلك يشغل الناس عن صلاتهم، وقال عندما أمر بتجديد المسجد النبوي: (أَكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تُحَمِّرَ أو تُصَفِّرَ فتفتن الناس) (٣).

وأما عثمان رضي الله عنه فقد حسّن المسجد النبوي بما لا يقتضي الزخرفة، ولعله فعل ذلك، لأنه لما رأى الناس قد حسنوا بيوتهم بما أعطاهم الله رأى أن من المناسب تحسين مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك فقد أنكر عليه بعض الصحابة رضي الله عنهم.

فقد ورد عن عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان يقول - عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ـ: (إنكم أكثرتم، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من بنى مسجداً - قال بكير: حسبتُ أنه قال - يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة» (٤)).

وعن محمود بن لبيد - وهو من صغار الصحابة - أن عثمان بن عفان رضي الله عنه


(١) القصة: بالفتح: الجص بلغة الحجاز.
(٢) "شرح ابن بطال" (٢/ ٩٧).
(٣) البخاري (١/ ٥٣٩) "فتح".
(٤) أخرجه البخاري (٤٥٠) ومسلم (٥٣٣) وفي رواية له (بيتًا في الجنة).

<<  <  ج: ص:  >  >>