للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عياض عن داود وأصحابه (١)، وقد نقل ابن عبد البر الإيجاب عن أهل الظاهر (٢)، مع أن ابن حزم صرح بخلاف ذلك (٣)، ودليلهم حديث الباب، فقد ورد بلفظ الأمر: (فليركع ركعتين) وبلفظ النهي: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والأمر عند الإطلاق للوجوب، والنهي عند الإطلاق للتحريم.

وأما الجمهور فاستدلوا بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما يجب عليه من الصلاة فأجابه: «الصلوات الخمس»، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» (٤). قالوا: فلو قلنا بوجوب تحية المسجد للزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس.

كما استدلوا بحديث عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجلس فقد آذيت»، وفي رواية: «وآنيت» (٥).

والقول بالوجوب قوي، وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد (٦) والصنعاني (٧) والشوكاني (٨)؛ وذلك لأن سبب الوجوب هو دخول المسجد، فلا معارضة بين هذا وبين ما يدل على أن ما عدا الصلوات الخمس تطوع.

وأما حديث «اجلس فقد آذيت» فلا دلالة فيه صريحة على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن المراد (اجلس) أي: لا تتخط، ولم يقصد ترك التحية، أو لأنه صلاها في مكان آخر، أو قبل الأمر بها، ونحو ذلك من الاحتمالات التي تضعف الاستدلال بالحديث.


(١) "إكمال المعلم" (٣/ ٤٩).
(٢) "التمهيد" (٢٠/ ١٠٠).
(٣) "المحلى" (٢/ ٢٣١).
(٤) أخرجه البخاري (٤٦) ومسلم (١١).
(٥) أخرجه أبو داود (١١١٨)، والنسائي (٣/ ١٠٣)، وأحمد (٢٩/ ٢٢١) والزيادة له، والحديث إسناده حسن، صححه ابن خزيمة (٣/ ١٥٦) وله شواهد، ومعنى (آنيت): أخَّرت المجيئ وأبطات.
(٦) "شرح العمدة" (٤/ ٤٦٨).
(٧) "سبل السلام" (١/ ٣٠٨) وفي حاشيته على "شرح العمدة" (٤/ ٤٦٨).
(٨) "نيل الأوطار" (٣/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>