للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقلت مستفهماً من ربة الفندق وهي داخلة علي بزجاجة النبيذ: من هذا؟

فقالت بخفوت وسرعة: هذا يا سيدي رجل من الصالحين الأبرار المقدسين وهو حديث العهد في بلدتنا. وقد ومن علينا بالزيارة في مثل هذا الجو العاصف الواكف وإن قطرات البلل لتتحدر من ثيابه كالجدول! وعليه من السلاسل ما لا يطيق حمله مخلوق.

واستأنف الصوت دعواته فقال رحة الله وبركاته! أكولينا رهيبي أكولينا كولينوشكا صديقتي وخليلتي! أين جنتنا وفردوسنا؟ اين جنة نعيمنا وفردوس لذاتنا؟ في القفار الموحشة فردوسنا وجنتنا. . الغبطة والرخاء والسعادة لهذا المنزل. . . أو. . . أو. . . أو) ثم جمجم الصوت بكلام غير مبين وتثاءب تثاؤباً طويلاً ثم ضحك ضحكة خشنة بحاء وبصق بصقة شديدة.

قالت ربة الفندق كأنما تحدث نفسها وكلها إصغاء والتفات عند الباب: وا أسفاه إن الرجل المقدس ينثر الدعوات الصالحات على من حوله وأنا معمزل عنه أحرم من عظيم بركاته وكريم نفحاته تالله لأهرعن إليه.

ثم انطلقت من الغرفة بسرع من لمح البصر.

وكان في الجدار شق فوضعت عيني عليه فرأيت الرجل الموسوس جالساً على مقعد وظهره لي فلم تأخذ عيني منه سوى رأس ضخم أشعث في مثل حجم المرجل الكبير وظهر عريض محني في قميص مرقع. وكانت تركع على الأرض بين يديه امرأة نحيفة رقيقة في مثل رداء طبقة الصانعات وقطرات البلل تتصب من ردائها وعلى رأسها منديل أسود وقد تدلى إلى عينيها. وكانت تحاول انتزاع نعلي الرجل المقدس وأصابعها تزل وتزلق من فوق الجلد الوحلي المبلول. وكانت ربة المنزل واقفة إلى جانبها مضمومة اليدين على صدرها تنظر إلى (ولي الله) بعين ملؤها الخشوع والإجلال والهيبة وهو يجمجم كما أسلفنا بألفاظ معجمة غير واضحة المخارج.

وأخيراً استطاعت المرأة أن تخلع النعلين وكادت من شدة الجذب أن تقع على ظهرها ولكنها تداركت نفسها وشرعت تحل لفائف الخرق البالية المطوية حول ساقي الرجل الشريد. وكان في بطن قدمه جرح بليغ فزويت وجهي تأففاً.

وقالت له ربة المنزل بصوت تذلل وخشوع: ألا تأمرني آتيك بكوبة من الشاي يا عزيزي؟.