للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حريصاً على إجابة مطالبها وقضاء مآربها. وأعجب من كل ذلك أن جميع ربات الخلاعة والتبرج من فتيات الإقليم باقيات في دور آبائهن لم تهرب منهن واحدة.

قلت: وللآن لم يعثروا عليها؟

قال: يعثرون عليها؟ كلا وما أظنهم يجدونها ولو غاصوا عليها في قرار المحيط! وماذا يهم ضياع مثلها! سينقص عدد الوارثات المثريات واحدة، وهذا أسوأ ما في الأمر.

أدهشني ذلك النبأ غذ كان لا ينطبق على ما بقي في ذاكرتي من صورة صوفيا. ولكن الحادثات تكون. وليس في هذا الحياة مستحيل ولا مستبعد. والدنيا أم العجائب.

بلى أنها الأيام أصبحن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب

في خريف هذا العام ذاته ساقني القدر ثانياً بمناسبة الأعمال الرسمية إلى إقليم س المجاور لإقليم ت. وكان الجو مطيراً. والبرد زمهريراً فنزلت أثناء سفري في بعض محطات البريد وكان الوقت قرب المساء وكنت قد بلغت من النصب والإعياء ما عزمت معه على قضاء الليلة في فندق المحطة. فأعطيت فيه غرفة ذات كنبة خشبية مهدمة وأرض منحدرة وجدران مغشاة بورق بال ممزق وكان يفوح في أرجائها خليط من رائحة البصل وحصر القش وزيت النفط. وتزدحم طوائف الذباب على كل ما فيها. ولكني بها على كل حال ملاذاً من الريح العاصفة. ومعاذاً من الديمة الواكفة. فطلبت زجاجة نبيذ واتكأت على الكنبة وأطلقت العنان لخواطري وأوهامي.

فإني لكذلك إذ طرق أدني صوت خبطات ثقيلة في الحجرة العمومية التي كان يفصلها عن غرفتي حاجز من الخشب وكانت هذه الخبطات مشفوعة برنات معدنية متولية كطنين السلاسل ثم فاجأ مسمعي صوت مذكر خشن يقول: بارك اله في كل من يسكن هذا النزل! بارك الله فيهم! بارك الله فيهم آمين. . آمين بدد الله شمل أعدائهم! وكان في الصوت تمتمة وحشية وتقطع مستنكر. . ثم سمعت زفرة شديدة وسقوط جسم ثقيل فوق مقعد مع طنين السلاسل الآنفة الذكر وانبرى الصوت يقول: أكولينا! خادمة الله! تعالي إلى هنا. إني في أطمار رثة وأسمال بالية ولكني مغمور ببركة الله. مشمول برحمته ورضاه. رحماك اللهم يا ارحم الراحمين يا أرحم الراحمين! يا خالق هذا الجسد انظر إلى عجزي وتقصيري أو - هو - هو - ها - ها. . . تفو! اللهم اغمر هذا المنزل بفيض إحسانك وإنعامك.