للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* * *

الفصل الرابع

في فجر اليوم التالي كان أول - سؤال وجهته إلى نفسي هو ماذا أنا فاعل؟ وكنت خالياً من الأعمال والأشغال. وكنت قد درست الحقوق والطب ولكن ميلي كان موزعاً بينهما ولم أقرر أي هاتين الصناعتين أتخذها عملاً ومرتزقاً. وكان سبق لي التوظف في مصرف رجل مالي ولكن تتابع أغلاطي في الحساب اضطرني إلى تقديم استقالتي تفادياً من سبة الرفت وعاره. وكنت قد أكثرت من الدراسة ولكنها سطحية إذ كتن سريع الحفظ ولكني كنت أسرع نسياناً.

وكانت اللذة الباقية لي بعد ذهاب لذة الحب هي الحرية والاستقلال. وكنت ما زلت منذ حداثتي أغرس الوصول هذه المزية الغالية في صدري وأربها وأنميها حتى أضحت ولها في فؤادي محراب مطهر ومن جوانحي هيكل مقدس. وكانت أبي ذات يوم فكر في أمر مستقبلي فعدد لي جملة صناعات وأعمال وأطلق لي أن أختار أحبها إلى قلبي وأشهاها إلى نفسي لتكون مهنتي في المستقبل. فأشرفت من نافذتي فنظرت إلى شجرة نحيفة عالية وأخذت أتأمل هذه الصناعات واحدة بعد واحدة فلم تمل نفسي إلى شيء منها البتة ثم شرد ذهني. فأحسست كأن الأرض تتحرك حتى لكأنما تلك القوة الخفية الكامنة الموكلة بتصريفها في الفضاء قد عادت ظاهرة لحسي فأبصرت الأرض تنهض في الفضاء. وخيل إلي كأني على ظهر سفينة وأن شجرة التي أمامي هي السارية (الصاري). فنهضت من مجلسي وتمطيت ثم صحت: هذه السفينة السابحة في الأثير! ما أبخس أن لا يظل بها المرء إلا برهة ثم يتركها. وما أبخس أن لا يكون أحدنا إنساناً حقيراً وشبحاً ضئيلاً ونقطة سوداء على هذه السفينة. أفتراني أزيد نفسي بخساً وغبناً. لقد رضيت بما لا بد منه أن بكوني إنساناً مطلقاً ولن أتسفل بنفسي إلى ما دون ذلك فأكون إنسان مقيد بحرفة أو مهنة

وهذا كان أول قسم أقسمته وأنا لم أعد الرابعة عشرة بمشهد الطبيعة الهائلة على أن لا أتقيد بحرفة فإن أك قد حنثت فيه فإنما ذاك مجاراة لأميال أبي ومساوقة لأهوائه على الكرة مني وبالرغم من أنفي.

وكذلك نهجت منهج الاستقلال لا كلاً ولكن بمحض إرادتي. وآثرت بحبي كل ما كان من