للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بروح الثورة المنطلق من كل القيود النظامية أن يجتمع مرة أخرى وبثل عرش الإرهاب والظلم الجديد لولا أن تادركه رجل عظيم.

نضرب هذا المثل لنقول أن للمجموع قومة واحدة يهدم بها السد الذي يقوم في وجهه ثم ينثني إلى المعامل والمزارع، ويندر أن يعود إلى المصادمة والكفاح إلا في حالة واحدة سنشرحها بعد ذلك. وذلك لأن إنضمام المجموع واندفاعه نحو أمر ما هو بمثابة هياج فكري وثوران نفسي شامل، ولا يمكن أن تطلب من المجتمع أن يظل على حالة من التهيج وثورة الأعصاب وغليان الدم وحمية القلب والفكر واتجاه الروح والنفس لأن هذه الفترات في حياة الأمم هي بمثابة السهر في حياة الفرد ولن تستطيع أن تطلب من الأمة أن تظل ساهرة أرقة متهيجة الأعصاب إلى حد غير محدود. إن النفوس تتوق دائما آبداً إلى السلام والراحة والهدوء. وإن فترة ذلك الصحو أو السهر لا تستمر طويلا بل لا بد من العود إلى الحالة الطبيعية.

قلنا أن ثورة المجموع هيهات أن تتلوها ثورة أخرى مهما حاق بالمجموع بعد ذلك من ظروف أشد واستثنينا حالة واحدة، وحتى في هذه الحالة لا تشتعل الثورة كما كانت ولكن تنحل إلى ثورة سلمية وقد تكون غير عامة ولا شاملة لكل الطبقات وإنما يقوم بها أفراد عديدون من ذوي التأثير والنفوذ فلا يلبثون أن ينالوا ما تريده الأمة. هذه الحالة الواحدة تكون عندما يسبق الانقلاب الذي تحدثه الأمة المتمدينة زمن طويل من التفكير والتمهيد وإنعام النظر، حتى إذا ما قامت الحركة كانت منظمة متينة ثابتة وصارت الأمة إلى بغيتها أو الإصلاح الذي تنشده سيراً ثابتاً قد يكون بطيئاً ولكنه لا يقف ولا يرتد. تتقدم كالجبل الراسخ متكاتفة متعاونة متفاهمة مشتركة في العواطف والآمال غير مندفعة اندفاعاً أعمى أو مستسلمة لكل قائد. فمثل هذه الحركة القائمة على ذلك الأساس المتين لا تنعدم قوت المجموع منها إذا هدأ أمرها، بل إنه لمن السهل العثور على ذلك المجموع وإيجاد تلك القوة في أي وقت تقع حوادث أو تجد ظروف.

نخرج من هذا إلى شيئ آخر، ونلقي نظرة إلى أنفسنا. انتهت الثورة القومية وكان لا بدلها أن تنتهي. وقد شاهدنا جميعاً مع الفوز الذي أصبناه مناحي كثيرة من الضعف الأخلاقي في حياتنا الاجتماعية. وأمثلة عديدة على انحطاط النفوس وسوء الطباع.