للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سحيقة تسقطون فيها وهو نهاية المجد والسؤدد الذي تتوهمونه وإن المرء إذا انساق في تيار هذه الغرور الدنيوي تعذر عليه الوقوف فينبغي له للنجاة إما المقاومة أو الفرار من وجه المعترك لأن غرور الدنيا وزخرفتها لا يتحول فقط بل هو قد يسقط الناس ويسحقهم سحقاً وهاكم طريقة سهلة الاتباع في السلوك في الحياة وعلاجاً شافياً وافياً لإنقاذكم من غروركم إذ أنتم اتبعتموه نجوتم وذلك أن لا تكون عنايتكم بالأبدان إلا بمقدار ما يقتضيه سلامتها وحفظ صحتها وأن تعودوها الاخشوشان في العيش حتى لا يكون لها سبيل إلى الجماع وعصيان العقل فلا تنيلوها من الطعام إلا بمقدار ما يسد رمقها ولا من الشراب إلا بمقدار ما يبل ظمأها ولا من الكساء إلا بمقدار ما يقيها الحر والقرّ ولا من السكن إلا ما يدفع عنها الطوارئ والعاديات وسيان أن يكون هذا المسكن كوخاً حقيراً من أصول الشجر أو قصراً فخيراً مشيداً بالجص والمرمر المجزع لأن أصول النبات وغصون الأشجار تؤدي هذا الغرض أفضل مما تؤديه حتى لبن الذهب والفضة بل هي آمن منها في الحماية والوقاية فاسقط هذا النعيم كله من عينك ولا تتطلع إلى زخارف تافهة ليست في العير ولا في النفير من الشرف والزينة واعلم أن شرف المرء وزينته في نفسه فإذا هي عظمت وسمت ظهر له كل شيءٍ حقيراً في جانبها.

فمن جعل مذل هذا النصح نصب عينيه وعني بتقريب أمثاله لإرشاد الخلف ألا يعد عمله في اعتبارك مساوياً في النفع تولي القضاة بين الناس والنظر في أمورهم ووضع الأختام في ذيول الوصايا أو العمل في مجلس الشيوخ ومساعدة أرباب المصالح فكن على ثقة أيها الصديق أن هؤلاء الذين قد تدل الظواهر أنهم عاطلون عن العمل إنما هم الذين يعملون جلائل الأعمال وإنهم يشتغلون بما تحوي الأرض وتشمله السماء وقد آن لي أن أختم هذا الكتاب ولكن لا بد لي من دفع ما فرضت على نفسي من الأتاوة اليومية وهي حكمة مستقاة من بحر أبيقور قال: كن عبداً للحكمة تكن حراً جد الحرية وليس في هذه العبودية ذلة أو عذاب بل فيها السرور والبهجة لأنه من يخضع للحكمة ويتمسك بأهدابها ويستقيم لأوامرها يفك عنه ربقه في الحال فخدمتها هي الحرية ولعلك تقول ما الذي يدعوك لترك حكم فلاسفتنا وتفضيل حكم أبيقور على سواها فأجيبك ولم لا تقول أنها للجمهور وليس لأبيقور، وكم من حكم ومعاني سامية طرقها كثير من الشعراء فضمنها الحكماء حكمهم أو غفلوا عنها