للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الرابع: اختلف العلماء في ضابط التخفيف المأمور به، فقيل: ليس لذلك ضابط معين؛ لأن التخفيف والتطويل أمر نسبي ليس له حد في اللغة ولا في العرف؛ لأنه يختلف باختلاف الأئمة والمأمومين، فقد يقرأ بعض الأئمة آيات قراءة مرتلة خفيفة على السامع، ويقرأها آخر بوقت أطول من الأول، وكذا المأمومين فقد يناسبهم التطويل في مكان ولا يناسبهم في آخر، وعلى هذا فيرجع إلى سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى حاله في صلاته، فيفعل الإمام في الغالب ما كان يفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم غالباً، ويزيد وينقص لمصلحة، كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يزيد وينقص للمصلحة، يقول أنس رضي الله عنه: (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلّى الله عليه وسلّم) (١).

فمن صلى مثل صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد خفَّف وإن ثَقُلَ ذلك على بعض الناس، وما زاد على فعله صلّى الله عليه وسلّم زيادة بينة فهو تطويل.

وقيل: ضابط التخفيف الاقتصار على أدنى الكمال، فيقتصر على ثلاث تسبيحات، وكذا سائر أجزاء الصلاة، وهذا هو المشهور عن الشافعي.

وردَّ هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا دليل عليه من السنة بل الأحاديث المستفيضة الثابتة تبين أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يسبح في أغلب صلاته أكثر من ذلك.

وقيل: حد التخفيف مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم لعثمان بن أبي العاص: «أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم … » الحديث، وتقدم في باب «الأذان» (١٩٥).

فأرشده النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن يراعي حال الضعيف من المأمومين، وعبر عن المراعاة بالاقتداء، مشاكلةً لاقتدائهم به، فكأنه قال: كما أن الضعيف يقتدي بصلاتك، فاقتد أنت - أيضاً - بضعفه.

وهذا قول ابن حزم (٢)، واختاره الحافظ ابن حجر (٣)، وهذا هو الأقرب


(١) أخرجه البخاري (٧٠٨)، ومسلم (٤٧٣).
(٢) "المحلى" (٤/ ٩٩).
(٣) "فتح الباري" (٢/ ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>