للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصلاة، فتكون من الأمور الاجتهادية التي يرجع فيها إلى العرف، طالت المسافة أم قصرت.

إلا أنه قد يشكل على ذلك اختلاف الناس فيما بينهم فيما يعد سفراً، لكن قد يقال: إن المسافات الطويلة كمائتي كيل ونحوها لا إشكال فيها، إذ لا يختلف الناس أن ذلك سفر، حتى ولو رجع المسافر من هذه المسافة من يومه، فإن من قطع مسافة طويلة ثم رجع في يومه فهو مسافر، كما لو سافر من بريدة إلى الرياض - مثلاً - ورجع من يومه.

وعلى هذا فلا عبرة بطول الزمن وقصره في ضابط السفر، وإنما المعتبر المسافة التي تعد في العرف سفراً؛ لأن من وسائل النقل في هذا الزمان ما يقطع المسافات الطويلة في زمن يسير.

وأما ما هو أقل من ذلك فيمكن أن يضبط ببعض الأوصاف العرفية مثل حمل الزاد والمزاد إذا ضرب في الأرض، قال ابن سيرين: (كانوا يقولون: السفر الذي تقصر فيه الصلاة الذي تحمل فيه الزاد والمزاد) (١)، مع أن هذا الوصف لا يكفي وحده لإثبات السفر، ولا سيما في زماننا هذا، حيث انتشرت مراكز التسوُّق على الطرق الطويلة، إلا أن أهل العرف يستدلون به مع أوصاف أخرى على السفر، ومنها الانقطاع والغَيبة إذا كان سببها بُعد الطريق أو وعورته أو اضطرار المسافر إلى المبيت في المكان الذي قصده.

فإن أشكل الأمر، فإما أن يؤخذ بتقدير المسافة وهي بضعة وثمانون كيلاً، أو يؤخذ بالأصل، وهو الإتمام على القول بأن القصر رخصة.

الوجه الرابع: لا فرق في السفر المبيح بين سفر الطاعة؛ كالحج والعمرة، وطلب العلم، ونحو ذلك، والسفر المباح؛ كالخروج لنزهة أو صيدٍ أو نحو ذلك، على ما اختاره ابن قدامة (٢)، وذلك لأنه سفر مباح، فهو داخل في عموم النصوص الدالة على مشروعية قصر الصلاة للمسافر.


(١) رواه ابن أبي شيبة (٢/ ٤٤٦)، وابن حزم (٥/ ٣).
(٢) "المغني" (٣/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>