للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستدلوا بأن الاستنشاق نُقِلَ من فعله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أمره - كما تقدم - وأما المضمضة فقد نقلت من فعله، ولم تنقل من أمره.

والراجح هو القول الأول لقوة دليله، وهو حديث الباب، ولأن كل من وصف وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم مستقصياً ذكر أنه تمضمض واستنشق واستنثر، ومداومته عليهما يدل على وجوبهما؛ لأن فعله صلّى الله عليه وسلّم يصلح أن يكون بياناً وتفصيلاً للوضوء المأمور به في كتاب الله تعالى؛ لأنه هو المبيِّن عن الله عزّ وجل مراده، وقد بيَّن أن مراد الله تعالى بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} المضمضة والاستنشاق مع غسل سائر الوجه، وعلى هذا فلا معارضة.

قال ابن القيم: (ولم يتوضأ صلّى الله عليه وسلّم إلا تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنه أخلّ به مرة واحدة) (١) وأما كونهما من الفطرة فلا ينفي وجوبهما، لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب، وقد ذكر فيها الختان، وهو واجب.

وأما قول أصحاب القول الثالث: إنه لم يثبت الأمر بالمضمضة. فهو إما ذهول منهم عن رواية أبي داود - كما تقدم - وإما أنهم لا يرون صحتها.

ولا يصح التفريق بين المضمضة والاستنشاق، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بينهما - كما تقدم ـ.

الوجه الثامن: استدل العلماء بهذا الحديث على قاعدة (سَدِّ الذرائع) وهي جمع ذريعة، وهي الفعل الذي ظاهره مباح، لكنه وسيلة إلى فعل محرم.

ووجه الدلالة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان الإنسان صائماً، فالاستنشاق أمر مشروع في الوضوء، لكنه قد يفضي عند المبالغة فيه إلى إفساد الصوم.

كما يستفاد منه أنه ينبغي للصائم أن يتجنب كل ما من شأنه أن يتطرق منه الإفساد للصوم ولو على سبيل الاحتمال.

والقول بسد الذرائع هو مذهب المالكية والحنابلة، وقال أبو حنيفة


(١) "زاد المعاد" (١/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>