للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتقدم ذلك، ومعنى (لعن رسول الله) أي: دعا على النائحة والمستمعة بذلك.

قوله: (النائحة) اسم فاعل من ناح على الميت ينوح نياحة. والنياحة: رفع الصوت بالندب وتعديد محاسن الميت على سبيل النوح كنوح الحمام، وهو من أعمال الجاهلية، كأن تقول: واجبلاه، واناصراه، واكاسياه، ونحو ذلك.

قوله: (والمستمعة) أي: القاصدة لسماع النياحة.

قوله: (آخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: عند البيعة كما تقدم في سياق الحديث، وذلك لما بايعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ولعل ذكر النياحة مع البيعة والله أعلم لأنهن اعتدن ذلك؛ لقلة صبرهن وجزعهن، فكان النهي عنها عند البيعة من الأهمية بمكان، ولهذا لم يف أغلبهن بذلك، كما تقدم في سياق الحديث، إما لمجاملة أو لمحبة أو نحو ذلك.

قوله: (الميت يعذب) استشكل العلماء ذلك لأنه تعذيب بفعل غيره، والله تعالى يقول: {ولا تزر وازرة وز أخرى} [الأنعام: ١٦٤]، وقد تنوعت طرقهم في الخروج من هذا الاستشكال، فمنهم من أنكر الحديث، وغلط الرواة، ومن هؤلاء عائشة رضي الله عنها، فقد روى البخاري ومسلم أنها قالت: (رحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا فلم يحفظه، إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: " أنتم تبكون وإنه ليعذب"، وهذا اللفظ لمسلم (١).

ومنهم من أول الحديث بتأويلات كثيرة، ومنها: أنه خاص بمن أوصى أن يناح عليه، فيكون النوح بسبب فعله، وهذا ضعيف؛ لأن اللفظ عام؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم فهموا من الحديث حصول التعذيب وإن لم يوص الميت بالنوح. وقيل غير ذلك (٢). ولعل أقربها ما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه ابن القيم وهو أن المراد بقوله: "يعذب"، أي: يتألم ويتأذى بنوحهم عليه، بدل دعائهم


(١) أخرجه البخاري (٣٩٧٨)، ومسلم (٩٣١ - ٩٣٢).
(٢) راجع: "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>