للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستغفارهم له. ولم يقل: يعاقب. والعذاب أعم من العقاب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " السفر قطعة من العذاب" (١)، فسمى السفر عذابًا، وليس هو عقابًا على ذنب (٢).

وأما تخطئة عائشة رضي الله عنها لابن عمر رضي الله عنه فهو ليس في محله، فإن الحديث لم ينفرد به ابن عمر، بل رواه أبوه عمر والمغيرة بن شعبة، كما تقدم، وأبو موسى، وحفصة بنت عمر، وصهيب رضي الله عنه، وهذه الأحاديث لا ترد بمثل قول عائشة رضي الله عنها، فإنه من المحال أن يكون كل هؤلاء وهموا في الحديث. ولها نظائر من تأويلاتها واجتهاداتها رضي الله عنها (٣).

• والوجه الثالث: هذه الأحاديث دليل على تحريم النياحة على الميت برفع الصوت بتعديد شمائله ومحاسن أفعاله، وهي من أمر الجاهلية، وهي من كبائر الذنوب، لما فيها من المفاسد العظيمة، ومنها:

١ - أنها لا تزيد النائح إلا شدة وحزنًا.

٢ - أنها تسخط من قضاء الله وقدره واعتراض عليه، وقلة صبره، وكأن النائحة تقول: لا ينبغي أن يموت من كان كذا، وكان كذا.

٣ - أنها تهيج الأحزان.

٤ - أنها تؤذي الميت، كما دل عليه الحديث.

٥ - أنها مع هذه المفاسد لا ترد القضاء ولا ترفع ما نزل.

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، وقال: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" (٤)، وهذا يؤيد ما تقدم


(١) أخرجه البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧).
(٢) "الفتاوى" (٢٤/ ٣٦٩)، "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٢٩٣).
(٣) انظر: "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة -رضي الله عنها- على الصحابة" للزركشي.
(٤) أخرجه مسلم (٩٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>