ثم قال في بيان حق الإبل والبقر والغنم:" إطراق فحلها، وإعارة دلها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله"، فهذا يدل على أن الحق أعم من الصدقة المفروضة شرعًا، وهو تقديم نوع من أنواع الانتفاع، والأولى أن يكون معنى الحق واحدًا في الذهب والفضة، وفي الإبل والبقر والغنم، أما التفريق فلا دليل عليه. ولا ريب أن إعارة الحلي فيها نفع كبير للفقراء والمحاويج، بل نفع إعارته قد يفوق نفع دفع جزء منه.
٣ - أن الحديث على فرض شموله لزكاة الحلي فقد دخله التخصيص بما خصت به الآية، كما تقدم.
أما الأحاديث الثلاثة، وهي أحاديث البلوغ فقد تكلم العلماء في صحتها بناء على ما تقدم من الكلام في رواتها، فمنهم من ضعفها؛ كالشافعي والترمذي وابن العربي وابن حزم وابن الجوزي وآخرين (١). وقالوا: هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة، ولا يصح في هذا الباب شيء. ومنهم من صححها، وعلى ذلك فتكون عدم دلالتها على وجوب زكاة الحلي متجهًا إلى متنها لا إلى سندها، وذلك كما يلي:
١ - أن ما ذكر من المسكتين وهما السواران والفتخات والأوضاح لا يبلغ النصاب ولا يقاربه، فقد تقدم أن النصاب من عيار (٢١) مثلًا (٧٠ × ٢٤= ٨٠ غرامًا)، ولهذا روى أبو داود عن سفيان الثوري في حديث الفتخات، أنه سئل: كيف تزكي المرأة الخاتم وهو لم يبلغ النصاب؟ فقال: تضمه إلى غيره.
٢ - أن هذه الأحاديث فيها إجمال فلم يبين فيها مقدار الزكاة المأمور بأدائها، ولم يذكر فيها اشتراط النصاب ولا حولان الحول؛ بل ظاهر حديث عائشة أن اتخاذها للفتخات كان قريبًا من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحل عليها الحول.