واعتبار الثلاثة للاحتياط والمبالغة في إثبات الفاقة، وليكون قولهم أدل على براءة السائل من التهمة في ادعائه الحاجة، وأدعى إلى سرعة إجابته.
قوله:(من قومه) إنما خصوا بكونهم من قومه؛ لأنهم هم العالمون بحاله وهم أخبر بباطن أمره.
قوله:(سحت) بضم السين المهملة، وإسكان الحاء المهملة، هو الكسب الحرام، وسمي سحتًا؛ لأنه يسحت البركة، أي: يذهبها.
ورواية مسلم:" فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا" بالنصب. قال النووي: (هكذا هو في جميع النسخ: "سحتًا"، ورواية غير مسلم:" سحت" وهذا واضح، ورواية مسلم صحيحة، وفيه إضمار، أي: اعتقده سحتًا، أو يؤكل سحتًا). ولعل هذا من أسباب إضافة الحافظ أبي داود وابن حبان إلى مسلم، وأما إضافة ابن خزيمة فتفهم مما تقدم.
• الوجه الرابع: الحديث دليل على أن المسألة لا تحل إلا لأحد هؤلاء الثلاثة:
الأول: من تحمل حمالة دين عن غيره؛ كمال أصلح بن بين طائفتين، فهذا يعطى من الصدقة تسديد ذلك الدين وإن كان غنيًا، لما في ذلك من الترغيب في مكارم الأخلاق، وكانت العرب إذا تحمل أحدهم حمالة بادروا إلى معونه، وإذا سأل لم يعدوا ذلك نقصًا في قدره، بل هو من مفاخره.
الثاني: من أصابت ماله جائحة أهلكت ماله، من سيل أو نار أو نحو ذلك، فهذا يحل له السؤال ويجب إعطاؤه ما يقوم به حاله ويسد خلته، ولا يتوقف ذلك على بينة يقيمها على ثبوت حاجته؛ لأن مثل هذه الأشياء لا تخفى آثارها عند وقوعها.
الثالث: من ادعى أنه أصابته فاقة وحاجة شديدة بعد أن كان غنيًا فإذا شهد له ثلاثة رجال من قومه من ذوي العقول المتيقظة بذلك حلت له المسألة.
وظاهر الحديث أنه لابد من ثلاثة، وبه استدل من قال: إن الإعسار لا