للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ووجه الدلالة: أن الشرع لم يجعل الليل محلاًّ لسوى الفطر وانتهاء وقت الصيام، فالوصال فيه مخالفة لوضعه؛ كيوم الفطر.

القول الثاني: أن الوصال جائز إن قدر عليه، وهذا مروي عن عبد الله بن الزبير، فقد روى ابن أبي شيبة عنه أنه واصل خمسة عشر يوماً (١)، وروى - أيضاً - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال، وهذه أختي تواصل وأنا أنهاها) (٢).

وذهب إليه طائفة من السلف؛ كعبد الرحمن بن أبي نُعْم، وإبراهيم بن يزيد التيمي، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وأبو الجوزاء، وغيرهم (٣). وهؤلاء استدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم واصل بأصحابه يوماً ثم يوماً حتى رأوا الهلال، ولو كان النهي للتحريم لم يواصل بهم ولم يقرهم، بل أنكر عليهم.

وقد أخرج أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه … (٤).

فصرح الصحابي بأنه لم يحرم الوصال، فهذا يدل على أن النهي عن الوصال ليس للتحريم وأنه مصروف إلى كراهة التنزيه، رحمة بهم وتخفيفاً عليهم، قالت عائشة رضي الله عنها: (نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال رحمة لهم … ) الحديث (٥)، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم، ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشقَّ عليه.

والقول الثالث: التفصيل، وهو جواز الوصال إلى السحَر، مع أن المبادرة بالفطر أفضل، وما زاد على ذلك فهو مكروه. وهذا قول الإمام أحمد، وإسحاق، وبعض المالكية، وابن خزيمة - من الشافعية ـ، وطائفة من


(١) "المصنف" (٣/ ٨٤) وإسناده صحيح، كما في "فتح الباري" (٤/ ٢٠٤).
(٢) "المصنف" (٣/ ٨٢).
(٣) "فتح الباري" (٤/ ٢٠٤).
(٤) "السنن" (٢٣٧٤)، وسنده صحيح.
(٥) أخرجه البخاري (١٩٦٧)، ومسلم (١١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>