للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحج وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه) (١).

وهذا قول قوي - في نظري ـ؛ لأن الاعتكاف عبادة، والعبادات توقيفية، والمرجع في أحكام الاعتكاف إلى هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد اعتكف مرات عديدة ولم ينقل عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه اشترط، وقد كان يخرج لحاجته، ولم يرد أنه كان يشترط في ذلك، ثم إن الخروج الزائد على حاجة الإنسان التي لا بدّ منها بناءً على الشرط، ينافي الاعتكاف لغة وشرعاً، والله أعلم.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن المعتكف ممنوع من مباشرة النساء، وقد دل على ذلك القرآن، قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] أي: لا تلامسوهن بجماع أو تقبيل، أو نحو ذلك من الملامسة؛ لأن المعتكف منقطع لعبادة الله تعالى في بيت من بيوته، ومثل هذه المباشرة تحول بينه وبين المقصود من ذلك الانقطاع. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف) (٢)، ومعنى (استأنف): بدأ اعتكافه من جديد.

الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه يشترط في الاعتكاف أن يكون في (مسجد جامع) أي: تصلى فيه الجماعة، وليس المراد أن تصلى فيه الجمعة. أما كون الاعتكاف لا بدّ أن يكون في مسجد، فهذا شرط مجمع عليه، فلا يصح الاعتكاف الشرعي إلا فيه، قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]، قال القرطبي: (أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد) (٣)، وكذا حكى غيره الإجماع.


(١) "الموطأ" (١/ ٣١٤).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٩٢)، وعبد الرزاق (٤/ ٣٦٣)، وسنده صحيح.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" (٢/ ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>